📁 آخرالمقالات

التراث القديم أهميته وتحديات حمايته

التراث القديم أهميته وتحديات حمايته 

التراث القديم هو الموروث الثقافي الذي خلّفته الحضارات السابقة، ويشمل الآثار والمخطوطات والمباني التاريخية والفنون التقليدية والعادات والتقاليد الشعبية. يعد هذا التراث سجلا حيا لتاريخ الشعوب، وجزءا أساسيا من هويتها الثقافية، إذ يعكس القيم والتقاليد وأنماط الحياة التي سادت في عصور سابقة.

التراث القديم ليس مجرد ماضٍ غابر، بل هو مورد معرفي وإنساني يمكن توظيفه في الحاضر والمستقبل. فمن خلاله يمكن فهم تطور المجتمعات، والتعلم من تجاربها، واستلهام حلول ثقافية وإنسانية تناسب واقعنا المعاصر. كما يسهم التراث في بناء الشعور بالانتماء، ويعزز من تماسك المجتمعات في وجه التحديات الثقافية والعولمة.

التراث القديم أهميته وتحديات حمايته

يواجه التراث القديم تحديات كبيرة، من الإهمال إلى التخريب المتعمد، إلى التأثيرات السلبية للنزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية. لذلك تسعى كثير من الدول والمنظمات الدولية إلى توثيق هذا التراث وحمايته عبر التشريعات، ومشاريع الترميم، واستخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الرقمنة والمسح ثلاثي الأبعاد.

التراث القديم هو الذاكرة الجماعية للإنسانية، ويجب التعامل معه كأمانة تتطلب مسؤولية ووعيا جماعيا للحفاظ عليها ونقلها للأجيال القادمة، لتظل حاضرة في الوجدان الثقافي والبشري عبر الزمن.

1.-تعريف التراث القديم

التراث القديم هو مجموع ما خلفته الحضارات السابقة من معالم مادية ومعنوية تعبر عن اساليب عيشها وافكارها ومعتقداتها ومظاهر فنها وثقافتها. يشمل هذا التراث المباني الاثرية، النقوش، المخطوطات، الادوات التقليدية، القصص الشفوية، الطقوس والعادات المتوارثة. وهو يمثل الذاكرة الجماعية للمجتمعات ويعكس تطورها عبر الزمن.

لا يقتصر التراث القديم على المظاهر الملموسة فحسب، بل يشمل ايضا التراث غير المادي مثل الفنون الشعبية، الامثال، والممارسات الثقافية التي انتقلت من جيل الى جيل. ومن خلال هذا التراث يمكن فهم ماضي الشعوب، وادراك تطورها الحضاري، والتعرف على القيم التي شكلت هويتها.

ويعد التراث القديم احد اهم الركائز التي تقوم عليها هوية الامة، اذ يمنح الشعوب شعورا بالانتماء والاستمرارية، ويساهم في ترسيخ الوعي الثقافي والاعتزاز بالماضي. كما يشكل مصدرا غنيا للباحثين والدارسين لفهم البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي سادت في مختلف العصور.

2.أهمية التراث القديم في تشكيل الهوية

يشكل التراث القديم عنصرا اساسيا في بناء الهوية الفردية والجماعية، اذ يمثل الجذور التاريخية والثقافية التي ينتمي اليها الانسان ويستمد منها شعوره بالانتماء والاستمرارية. فمن خلال ما خلفته الحضارات القديمة من معالم وادوات وعادات وتقاليد، يتعرف الافراد على تاريخهم المشترك وقيمهم الراسخة، وهو ما يعزز الشعور بالوحدة والانتماء الى جماعة لها خصوصيتها وتميزها.

الهوية الثقافية لا تولد فجاة بل تتشكل عبر تراكمات معرفية ووجدانية يعبر عنها التراث القديم بكل اشكاله. فالمعالم الاثرية، والطقوس التقليدية، واللغة، والفنون الشعبية، كلها تعكس ملامح المجتمع وتبرز خصوصيته امام المجتمعات الاخرى. وهذا ما يجعل من التراث اداة قوية لترسيخ الخصوصية الثقافية في ظل عالم يتجه نحو التشابه والذوبان الثقافي بفعل العولمة.

كما ان الوعي بالتراث القديم يمكن ان يكون وسيلة لمقاومة التهميش والاستلاب الثقافي، حيث يمنح الافراد والمجتمعات اداة للدفاع عن وجودهم الثقافي والتمسك بقيمهم الاصيلة. ولهذا تحرص الدول والمجتمعات الحية على تعليم ابنائها عناصر تراثهم، وتوثيقه والمحافظة عليه، باعتباره مصدرا للفخر وركيزة للتماسك الاجتماعي.

وباختصار، فان التراث القديم لا يمثل مجرد صور من الماضي، بل هو جزء حي من الهوية يتفاعل مع الحاضر ويوجه المستقبل، ويساهم في بناء مجتمع يعرف من هو، ومن اين اتى، والى اين يتجه.

3.التراث القديم كمصدر للمعرفة

يعد التراث القديم خزانا معرفيا غنيا يتيح للانسان فهما عميقا لتاريخ الحضارات وتطورها عبر العصور. فهو يشكل مصدرا اساسيا للمعرفة التاريخية والانثروبولوجية والاجتماعية، بما يحتويه من شواهد مادية وغير مادية تعكس طريقة عيش الانسان القديم، ونظرته للعالم، واساليب تفاعله مع الطبيعة والمجتمع.

من خلال دراسة المعالم الاثرية، والمخطوطات القديمة، والادوات التقليدية، يمكن للباحثين استخراج معلومات دقيقة عن الانظمة الاقتصادية والسياسية والدينية التي سادت في ازمنة سابقة. كما توفر الرسوم والنقوش والجداريات ادلة بصرية عن المعتقدات والعادات والفنون التي كانت سائدة، وتساعد في رسم صورة شاملة عن الحياة اليومية للانسان في مختلف الفترات التاريخية.

ولا يقتصر دور التراث القديم على المعرفة التاريخية فحسب، بل يمتد ايضا الى اثره في تنمية التفكير النقدي والبحث العلمي، حيث يحفز الباحثين على طرح اسئلة، وتحليل الادلة، وربط الحاضر بالماضي لفهم مسارات التطور والتحول الحضاري.

كما ان التراث الشفهي بما يتضمنه من قصص وامثال واغان شعبية، يحمل في طياته حكمة الاجيال السابقة، ويعبر عن فلسفة مجتمعية عميقة تجاه الحياة والكون والانسان. ومن هنا، يمثل التراث القديم اداة تعليمية وتربوية، يمكن استثمارها في بناء الوعي الثقافي، وتعزيز التفاهم بين الاجيال.

في المحصلة، فان التراث القديم ليس مجرد بقايا جامدة، بل هو مصدر حي للمعرفة والتفكير، يمنح الانسان مفاتيح فهم ماضيه، وبناء وعيه بذاته وتاريخه ومجتمعه، في اطار من الاستمرارية والتجدد.

4.التراث القديم والتنمية الثقافية

يمثل التراث القديم ركيزة اساسية من ركائز التنمية الثقافية، اذ يشكل مصدرا غنيا يمكن توظيفه في تعزيز الوعي الثقافي، وبناء اقتصاد قائم على الهوية، وتحفيز الابداع في مختلف المجالات. فالتراث لا يقتصر على كونه مادة للتأمل او الفخر بالماضي، بل هو مورد حيوي يمكن استثماره في الحاضر لبناء مستقبل اكثر توازنا واصالة.

من خلال صون المعالم التاريخية وتفعيل دور الصناعات التقليدية والفنون الشعبية، يمكن للمجتمعات ان تطور اقتصادا ثقافيا يعزز من فرص العمل، ويدعم السياحة، ويرسخ القيم المحلية. فالكثير من المدن التاريخية تحولت الى مراكز جذب ثقافي واقتصادي بفضل استثمارها الواعي لتراثها، وتحويله الى عنصر فاعل في الحياة المعاصرة.

كما ان التراث القديم يساهم في دعم الحوار الثقافي والتنوع، من خلال اظهار غنى التجارب الانسانية وتعدد اشكال التعبير الحضاري. فهو يشكل جسرا للتواصل بين الماضي والحاضر، وبين الثقافات المختلفة، مما يعزز من التفاهم المشترك، ويكسر الصور النمطية التي قد تعيق التعايش والتفاعل الايجابي بين الشعوب.

وفي المجال التربوي، يلعب التراث دورا في بناء الوعي الوطني وتعزيز الانتماء، اذ يسمح للناشئة بالتعرف على تاريخهم وجذورهم الثقافية، ما يساهم في ترسيخ الهوية، ومقاومة التهميش الثقافي والغزو الفكري.

ان التنمية الثقافية الحقيقية لا يمكن ان تنفصل عن استيعاب التراث القديم وتفعيله في السياسات العامة، سواء من خلال المناهج التعليمية، او دعم المبادرات الابداعية التي تستلهم من التراث، او من خلال الحفاظ على المواقع التاريخية واعادة احيائها بوصفها فضاءات ثقافية حية.

وبذلك، يتحول التراث القديم من كونه ارثا محفوظا في المتاحف والكتب، الى اداة ديناميكية تسهم في صياغة مجتمع اكثر وعيا، واكثر ارتباطا بجذوره، واكثر قدرة على استثمار ماضيه في خدمة حاضره ومستقبله.

5.تحديات حماية التراث القديم

رغم الاهمية الكبيرة التي يحتلها التراث القديم في تشكيل الهوية ودعم التنمية الثقافية، الا انه يواجه عددا من التحديات الخطيرة التي تهدد باندثاره وفقدان قيمته التاريخية والانسانية. هذه التحديات تتنوع بين ما هو طبيعي، وما هو بشري، وما هو مرتبط بضعف السياسات والتشريعات المتعلقة بحمايته.

من ابرز التحديات التي يواجهها التراث القديم عمليات التوسع العمراني غير المنظم، والتي غالبا ما تؤدي الى طمس معالم اثرية مهمة تحت البنايات الحديثة او شق الطرق والمشاريع دون دراسات مسبقة تراعي القيمة الاثرية للمواقع. كما ان الزحف الحضري في المدن التاريخية يهدد الطابع المعماري التقليدي ويؤثر على نسيجها الثقافي.

الى جانب ذلك، تساهم الحروب والنزاعات المسلحة في تدمير عدد كبير من المواقع الاثرية، سواء عن قصد كما يحدث في حالات التخريب المتعمد، او نتيجة المعارك والقصف العشوائي. وقد شهد العالم في السنوات الاخيرة دمارا واسعا لمواقع مدرجة على قوائم التراث العالمي، مما شكل خسائر لا تعوض في ذاكرة الانسانية.

ويعد الاتجار غير المشروع بالقطع الاثرية احد اخطر التحديات، اذ تنتشر شبكات تهريب تستغل ضعف الرقابة لتسويق مقتنيات اثرية نادرة في السوق السوداء، مما يحرم المجتمعات من رموزها التاريخية ويدمر السياق الثقافي الذي تنتمي اليه تلك القطع.

اضافة الى ذلك، يعاني التراث القديم في بعض الدول من الاهمال ونقص التمويل، وغياب الوعي المجتمعي باهميته، مما يؤدي الى تدهور المواقع التاريخية وانهيار الكثير من المباني القديمة بفعل عوامل الزمن والتقلبات المناخية.

كما ان ضعف التشريعات او عدم تطبيقها بصرامة، وغياب التنسيق بين الهيئات المسؤولة، يشكل عائقا امام وضع خطط فعالة لصيانة التراث وحمايته من التعديات.

في ظل هذه التحديات، تصبح حماية التراث القديم مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود بين الحكومات والمجتمعات المحلية والمؤسسات الدولية، ووضع استراتيجيات متكاملة ترتكز على التوثيق، والصيانة، والتربية، والانذار المبكر، لضمان بقاء هذا الموروث الحضاري حيا للاجيال القادمة.

6.جهود دولية ووطنية للحفاظ على التراث

شهد العالم خلال العقود الاخيرة اهتماما متزايدا بحماية التراث القديم باعتباره جزءا من الذاكرة الانسانية المشتركة، وعنصرا اساسيا في تعزيز التنوع الثقافي والتفاهم بين الشعوب. وقد تمثلت هذه الجهود في مبادرات دولية، واتفاقيات قانونية، ومشاريع وطنية تهدف الى توثيق وصون الموروث الثقافي المادي وغير المادي.

على المستوى الدولي، تعتبر منظمة اليونسكو من اهم الهيئات التي قادت حملات واسعة لحماية التراث. فقد اطلقت سنة 1972 اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي، والتي انضمت اليها معظم دول العالم، وتهدف الى تحديد مواقع ذات قيمة استثنائية وادراجها ضمن قائمة التراث العالمي. كما توفر اليونسكو الدعم الفني والمالي للدول من اجل الحفاظ على هذه المواقع، وتقوم بمراقبة حالتها عبر تقارير دورية.

بالاضافة الى ذلك، تأسست عدة اتفاقيات دولية لمحاربة تهريب الممتلكات الثقافية، من بينها اتفاقية لاهاي لعام 1954 واتفاقية اليونسكو لعام 1970، والتي تلزم الدول باتخاذ اجراءات صارمة لمنع الاتجار غير المشروع بالتراث، وتسهيل اعادة القطع الاثرية المسروقة الى بلدانها الاصلية.

اما على الصعيد الوطني، فقد عملت العديد من الدول على انشاء مؤسسات متخصصة في التراث مثل هيئات الاثار، والمجالس الوطنية للثقافة، والمتاحف المركزية. وتقوم هذه المؤسسات بمهمات التوثيق والترميم والحماية القانونية، كما تسعى الى رفع الوعي العام باهمية التراث من خلال الحملات التثقيفية والانشطة المدرسية.

في بعض الدول، تم سن قوانين صارمة تمنع التعدي على المواقع الاثرية، وتفرض عقوبات على من يقوم بالتهريب او التخريب، اضافة الى وضع مخططات عمرانية تراعي حماية المواقع التاريخية من التوسع العشوائي. كما شرعت بعض الحكومات في رقمنة الارشيفات والمخطوطات القديمة لضمان حفظها من التلف والضياع.

وتلعب المجتمعات المحلية دورا مهما في جهود الحماية، حيث تشارك في برامج اعادة احياء الحرف التقليدية، واعمال الترميم التطوعي، ونقل المعارف التراثية الى الاجيال الجديدة. كما اصبحت السياحة الثقافية عاملا محفزا لحماية التراث، من خلال خلق وعي اقتصادي بقيمته.

ان الحفاظ على التراث القديم يتطلب تواصلا دائما بين الجهود المحلية والدولية، والتزاما سياسيا وثقافيا طويل الامد، لضمان انتقال هذا الارث الحضاري الى المستقبل كرمز للهوية والانسانية والتنوع.

7.التراث القديم في العصر الرقمي

مع تسارع التطور التكنولوجي ودخول العالم في العصر الرقمي، برزت فرص جديدة لحماية التراث القديم والتعريف به على نطاق واسع. فقد اصبحت الوسائط الرقمية اداة فعالة في توثيق التراث، ونقله، واعادة احيائه بطرق تفاعلية تواكب متطلبات العصر، وتفتح افاقا جديدة امام الاجيال الشابة للتفاعل مع ماضيها الثقافي.

من اهم مظاهر التحول الرقمي في مجال التراث، الاعتماد على تقنيات التصوير ثلاثي الابعاد والمسح بالليزر لتوثيق المواقع الاثرية والمباني القديمة بدقة عالية، ما يسمح بانشاء نسخ رقمية يمكن الرجوع اليها عند تعرض الاصل للتلف او الدمار. كما تساعد هذه التقنيات في اعمال الترميم والمحافظة، وتتيح للباحثين دراسة التفاصيل الدقيقة عن بعد.

كما ظهرت المتاحف الافتراضية التي تمكن الزوار من استكشاف مجموعات تراثية نادرة دون الحاجة الى التنقل، من خلال منصات تفاعلية تعرض القطع الاثرية في بيئات محاكاة رقمية مدعومة بالمعلومات والخرائط والوسائط المتعددة. وهذا ما يسهم في نشر المعرفة الثقافية خارج الحدود الجغرافية، ويجعل التراث اكثر قربا من جمهور واسع ومتعدد الثقافات.

كذلك تستخدم قواعد البيانات الرقمية لتوثيق المخطوطات، واللغات المهددة، والعادات والتقاليد الشعبية، مما يحفظها من النسيان، ويجعلها متاحة للباحثين والمهتمين في كل انحاء العالم. وقد ساعدت مشاريع الرقمنة ايضا في تسهيل التعاون الدولي في مجال التراث، من خلال مشاركة المعلومات وتوحيد الجهود.

ورغم هذه الفرص، فان الرقمنة لا تخلو من التحديات، مثل ضعف البنية التحتية في بعض الدول، وصعوبة الوصول الى موارد مالية وتقنية كافية، اضافة الى قضايا حقوق النشر وملكية البيانات الثقافية. كما ان استخدام التكنولوجيا يحتاج الى كفاءات بشرية مؤهلة وقادرة على التعامل مع التراث بحس ثقافي وتاريخي عميق.

في النهاية، يشكل العصر الرقمي مرحلة جديدة في مسيرة الحفاظ على التراث القديم، حيث يمكن تحويل هذا الموروث من مادة جامدة الى تجربة حية وتفاعلية، تسهم في بناء وعي ثقافي متجدد، وتعزز الصلة بين الماضي والحاضر في ظل عالم سريع التغير.

8.دور المجتمعات المحلية في صون التراث

تلعب المجتمعات المحلية دورا محوريا في حماية التراث القديم والحفاظ عليه، فهي الحاضن الطبيعي لهذا التراث، والجهة الاكثر ارتباطا به من حيث الذاكرة والهوية والانتماء. اذ لا يمكن تصور حماية فعالة للتراث دون مشاركة السكان الذين يعيشون في محيطه، ويتفاعلون معه في حياتهم اليومية، وينقلونه من جيل الى جيل.

تبدأ مساهمة المجتمعات المحلية في صون التراث من خلال الوعي بقيمته الثقافية والتاريخية. فكلما كان الافراد اكثر وعيا باهمية الموروث الذي يملكونه، زاد حرصهم على المحافظة عليه، ورفض التعدي عليه او بيعه او تخريبه. ولهذا تعتبر التربية الثقافية عنصرا اساسيا في دعم هذا الدور، عبر تضمين مفاهيم التراث في المناهج الدراسية والبرامج التوعوية.

كما تقوم المجتمعات المحلية بدور فعلي في نقل التراث غير المادي، مثل العادات والتقاليد واللغات واللهجات والمهارات الحرفية، وهو ما يضمن استمرارية هذه المظاهر في وجه العولمة والتغيرات السريعة. فالجدات اللواتي يروين الحكايات الشعبية، والحرفيون الذين يشتغلون في الصناعات التقليدية، والمزارعون الذين يمارسون تقنيات زراعية قديمة، جميعهم يمثلون حلقة وصل حية بين الماضي والحاضر.

في كثير من الحالات، تشارك المجتمعات المحلية في عمليات الترميم واعادة احياء المواقع التاريخية، اما من خلال العمل التطوعي، او عبر المبادرات الاهلية، او بالشراكة مع البلديات والمنظمات الثقافية. وتعد هذه المشاركات وسيلة فعالة لتحقيق الاستدامة، لانها تنبع من احتياجات السكان وتطلعاتهم.

كذلك، تلعب الجمعيات الثقافية والمجتمع المدني دورا بارزا في التوعية والضغط من اجل سن قوانين تحمي التراث، وفي مراقبة التعديات والتجاوزات التي قد تهدد المواقع الاثرية. كما تنظم هذه الهيئات مهرجانات ومعارض تراثية تعزز من ارتباط الناس بتراثهم.

ويشكل اشراك المجتمعات المحلية في خطط التنمية السياحية وسيلة لحماية التراث ايضا، اذ يمنحهم ذلك شعورا بالملكية والمشاركة في عائدات التنمية، ويحفزهم على حماية مواردهم الثقافية باعتبارها مصدر فخر ودخل في آن واحد.

ان تمكين المجتمعات المحلية وتعزيز دورها في صون التراث لا يجب ان يكون خيارا ثانويا، بل ينبغي ان يكون جزءا اساسيا من سياسات الحماية والتخطيط الثقافي، لان الناس هم اصحاب التراث الحقيقيون، وهم القادرون على ضمان بقائه حيا ومتجددا في الحياة اليومية.

خاتمة 

يمثل التراث القديم كنزا إنسانيا ثمينا لا يقدّر بثمن، فهو المرآة التي تعكس عمق التاريخ، وغنى التجربة الحضارية، وخصوصية كل أمة. فالتراث ليس مجرد بقايا مادية من أطلال أو مخطوطات، بل هو روح الشعوب التي تسكن الزمان والمكان، وهو الجسر الذي يصل بين الأجيال، ويحفظ الهوية في مواجهة التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم المعاصر.

إن فهمنا للتراث القديم لا يجب أن يبقى حبيس النظرة الرومانسية للماضي، بل يجب أن يتحول إلى إدراك عملي لقيمته كمورد ثقافي ومعرفي واقتصادي. ففي ظل التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة، من العولمة إلى صراع الهويات، يبرز التراث كوسيلة لتعزيز الانتماء الوطني، واستعادة الثقة بالذات الحضارية، ودعم مسارات التنمية المستدامة القائمة على الخصوصية الثقافية.

لقد أثبتت التجارب العالمية أن الاستثمار في التراث القديم، سواء من خلال الترميم أو الترويج السياحي أو الرقمنة، يمكن أن يكون أداة فعالة لتعزيز الاقتصاد المحلي، ونشر الثقافة، وتحفيز الإبداع الفني والمعرفي. كما أن حماية التراث من الإهمال أو التشويه أو النهب تتطلب تكاملا بين الجهود الرسمية، والمجتمعية، والدولية، وتستوجب قوانين صارمة، وسياسات ثقافية واضحة، وإرادة سياسية حقيقية.

ولا يمكن أن نغفل أهمية دمج المجتمعات المحلية في حماية التراث، إذ أن الإنسان هو حامل التراث الحقيقي، سواء من خلال ممارساته، أو ذاكرته، أو مشاركته الفعلية في الحفاظ عليه ونقله. كما أن العصر الرقمي أتاح إمكانيات هائلة لصون التراث وتوثيقه ونشره، مما يفتح أفقا واسعا أمام الأجيال الجديدة للتفاعل مع ماضيها بطريقة حديثة.

وفي النهاية، فإن الحفاظ على التراث القديم لا يعني مجرد حماية أطلال الماضي، بل هو في جوهره حفاظ على الحاضر واستشراف للمستقبل. التراث هو الذاكرة الجماعية التي تمنح الشعوب هويتها، وهو الدرس المفتوح الذي يعلمنا أن ما نملكه اليوم هو ثمرة لتراكم حضاري طويل يجب احترامه، وصيانته، ونقله للأجيال القادمة بأمانة ووعي.

إن التراث القديم ليس مجرد رواية تُروى، بل هو رسالة تُعاش، ومسؤولية مشتركة بين الجميع، أفرادا ومؤسسات، لضمان بقائه حيا ومتجددا في وجدان البشرية.

مراجع   

1. التراث والهوية - تأليف: حسين مؤنس

   -يتناول العلاقة بين التراث والهوية الثقافية ويبرز دور التراث في الحفاظ على الشخصية الحضارية.-

2. علم التراث: المفاهيم والمنهجيات - تأليف: عبد الله العروي

   -يعالج المفاهيم النظرية للتراث ويقارن بين المدارس الفكرية في تفسيره.-

3. التراث والتاريخ: قراءة معاصرة - تأليف: محمد عابد الجابري

   -يقدم رؤية نقدية للتراث العربي الاسلامي ويربطه بالحداثة.-

4. التراث الشعبي العربي - تأليف: أحمد مرسي

   -يركز على التراث غير المادي مثل الحكايات والأمثال والأغاني الشعبية.-

5. التراث العمراني والحضاري في العالم العربي - تأليف: صالح لمعي

   -يتناول المواقع الأثرية والمعمارية العربية وأهمية الحفاظ عليها.-

6. إشكالية التراث في الفكر العربي المعاصر - تأليف: طيب تيزيني

   -يناقش التحديات التي تواجه التعامل مع التراث القديم في السياق الفكري المعاصر.-

7. التراث الثقافي: حماية وصون - تأليف: سمير عبد الحي

   -يتناول الأساليب الحديثة لحماية التراث ماديًا ورقميًا وتشريعيًا.-

8. التراث بين الأصالة والمعاصرة - تأليف: زكي نجيب محمود

   -يحاول الموازنة بين المحافظة على التراث والانفتاح على الحداثة.-

مواقع الكرتونية 

1.ويكيبيديا - قائمة مواقع التراث العالمي في الدول العربية

 رابط:/قائمة_مواقع_التراث_العالمي_في_الدول_العربية 

2.هيئة التراث السعودية - معلومات عن مواقع التراث الوطني والجهود الرسمية لحمايتها

 رابط: https://heritage.moc.gov.sa/

Getty Research .3 - المصادر الإلكترونية لتراث تدمر القديم

 رابط: https://www.getty.edu/research/exhibitions

UNESCO .4 - قائمة التراث العالمي

 رابط: https://whc.unesco.org/ar/list/

5.صحيفة الخليج - مواقع متخصصة في التراث الإلكتروني

 رابط: https://www.alkhaleej.ae/ملحق/مواقع-متخصصة-في-التراث

تعليقات