أهم 7 متاحف مغمورة بالمياه في الوطن العربي
تحتضن بعض الدول العربية مواقع أثرية غارقة تعد من أبرز المتاحف المغمورة بالمياه نظرا لقيمتها التاريخية والثقافية. من أهم هذه المواقع مدينة هيراكليون الغارقة في مصر، التي تقع في خليج أبي قير قرب الإسكندرية، وتضم معابد وتماثيل وموانئ غارقة تعود للفترة الفرعونية واليونانية. إلى جانبها تقع مدينة كانوب الغارقة، وهي مدينة قديمة اختفت تحت مياه البحر وتحتوي على كنوز أثرية نادرة.
في لبنان، يبرز مرفأ صور الفينيقي كواحد من أقدم الموانئ التاريخية الغارقة، ويضم أعمدة وسفن حجرية من العصور الفينيقية، بالإضافة إلى ميناء صيدا القديم الذي يحتوي على بقايا معمارية غارقة استخدمها الفينيقيون والرومان. أما في السودان، فتُعد جزيرة سواكن موقعاً مهماً يحتوي على حطام سفن عثمانية ومرافئ تاريخية غارقة. وعلى سواحل السعودية، يبرز موقع الوجه بما فيه من حطام سفن وآثار مرتبطة بالملاحة القديمة. كما توجد في البحرين آثار غارقة قرب الجزر تعود إلى حضارة دلمون، تشمل مباني حجرية وأدوات فخارية. تشكل هذه المواقع نواة حقيقية لتطوير مفهوم المتاحف المغمورة بالمياه في الوطن العربي، وتعكس التنوع والغنى الثقافي للمنطقة عبر العصور.
1. مدينة هيراكليون الغارقة - مصر
تقع في خليج أبي قير شمال شرق الإسكندرية، وتضم معابد وتماثيل وموانئ غارقة تعود للفترة الفرعونية واليونانية.
تعد مدينة هيراكليون الغارقة من اعظم الاكتشافات الاثرية البحرية في القرن الحادي والعشرين. تقع هذه المدينة في خليج ابي قير شرق مدينة الاسكندرية وقد ظلت مفقودة تحت مياه البحر لاكثر من الف ومئتي عام قبل ان يتم اكتشافها في عام 2000 على يد فريق المعهد الاوروبي للاثار تحت الماء بقيادة فرانك غوديو.
كانت هيراكليون مدينة مزدهرة في العصور الفرعونية واليونانية تؤدي دورا محوريا كميناء رئيسي ومركز تجاري وديني. احتوت المدينة على معابد ضخمة مكرسة للاله امون والالهة ايزيس واسواق وتماثيل حجرية عملاقة وسفن غارقة ومخطوطات وادوات يومية محفوظة في قاع البحر.
غرقت المدينة بفعل زلزال قوي وانهيار ارضي ادى الى اختفائها بالكامل تحت سطح البحر. وتعرض بعض اثارها في متاحف عالمية ومصرية بينما لا تزال اجزاء كبيرة منها في مكانها الاصلي تحت الماء مما يجعلها نموذجا فريدا لمتحف مغمور بالمياه يمكن للغواصين زيارته ضمن برامج سياحية متخصصة.
تمثل هيراكليون شاهدا حيا على التفاعل بين الحضارات في دلتا النيل وهي اليوم من ابرز رموز التراث المغمور بالمياه في الوطن العربي.
2. مدينة كانوب الغارقة - مصر
تقع مدينة كانوب الغارقة قرب دلتا النيل في خليج ابي قير شمال شرق الاسكندرية، وتعد من اقدم المدن المصرية التي ازدهرت في العصور الفرعونية واليونانية والرومانية. كانت كانوب مركزا دينيا وتجاريا مهما، وتضم معابد مخصصة للالهة سيرابيس والالهة ايزيس، اضافة الى العديد من الموانئ والمباني الادارية.
غرقت المدينة بفعل زلازل متتالية وتغيرات جيولوجية ادت الى هبوط التربة وغمرها بمياه البحر. وقد اكتشف فريق الاثار البحرية بقيادة فرانك غوديو اثار المدينة بين عامي 1999 و2001، ومن اهم ما تم العثور عليه تماثيل ضخمة واعمدة حجرية وقطع ذهبية ونقوش بالغة الاهمية.
اليوم تشكل مدينة كانوب نموذجا استثنائيا لموقع اثري غارق يعكس ثراء الحياة الدينية والاقتصادية في مصر القديمة. وتعتبر من ابرز المعالم التي تدعم فكرة المتاحف المغمورة بالمياه في الوطن العربي، حيث يتم العمل حاليا على توثيقها رقميا وعرضها في متاحف افتراضية وغوص سياحي منظم.
3. مرفأ صور الفينيقي - لبنان
يعد مرفأ صور الفينيقي من اقدم الموانئ في التاريخ ويقع على الساحل الجنوبي للبنان. كان هذا المرفأ مركزا حيويا للتجارة البحرية في العصور الفينيقية حيث انطلقت منه السفن الى مختلف انحاء البحر المتوسط حاملة المنتجات والافكار الفينيقية. ومع مرور الزمن وبسبب عوامل طبيعية وبشرية غرق جزء من المرفأ القديم تحت سطح البحر.
تضم المنطقة الغارقة في مرفأ صور بقايا معمارية مهمة تعود للفترة الفينيقية، منها اعمدة حجرية وسفن غارقة وبقايا ارصفة ومرافئ استخدمها الفينيقيون في نقل البضائع. كما عثر الغواصون والباحثون على قطع فخارية ونقوش نادرة توثق النشاط التجاري والديني في المدينة.
اليوم يشكل مرفأ صور الفينيقي موقعا مهما من مواقع التراث المغمور بالمياه في لبنان ويُعد مرشحا واعدا ليكون متحفا مفتوحا للزوار والباحثين. وتعمل المؤسسات المحلية والدولية على حماية هذا الموقع وتعزيزه من خلال برامج توثيق وحماية وتدريب على الغوص الاثري، مما يعزز حضور لبنان في مجال الحفاظ على التراث البحري.
4. ميناء صيدا القديم - لبنان
يقع ميناء صيدا القديم على الساحل الجنوبي للبنان ويعد من اهم الموانئ التاريخية التي ازدهرت منذ العصور الفينيقية وحتى الفترة الرومانية. كان الميناء مركزا للنشاط البحري والتجاري والربط بين المشرق والعالم المتوسطي، وقد احتفظ بأهميته لعدة قرون.
تحت سطح المياه المحيطة بالميناء توجد بقايا معمارية غارقة تشمل ارصفة قديمة واساسات ابنية حجرية وقطع فخارية تعود للعصور الفينيقية والهلنستية والرومانية. كما تم العثور على بقايا سفن وادوات بحرية استخدمها السكان في التجارة وصيد الاسماك.
يُعتبر ميناء صيدا القديم من اغنى المواقع الغارقة في لبنان من حيث التنوع الزمني والاثري، ويشكل عنصرا مهما ضمن التراث الثقافي المغمور بالمياه. تسعى المؤسسات اللبنانية بالتعاون مع هيئات دولية الى توثيق هذا التراث وتنظيم حملات استكشاف وصون له، مما يجعله مرشحا لان يكون متحفا مائيا حيويا يعرض تاريخ صيدا البحري العريق ويوفر تجربة فريدة للزوار والباحثين.
5. سواكن - السودان
تقع جزيرة سواكن على الساحل الغربي للبحر الاحمر وتعد من اهم المراكز البحرية التاريخية في السودان. كانت سواكن خلال العصور الوسطى والعثمانية ميناءا رئيسيا للتجارة والحج، وقد ازدهرت كمركز حضاري وثقافي حتى بداية القرن العشرين.
تحتوي المياه القريبة من الجزيرة على بقايا سفن عثمانية ومرافئ تاريخية غارقة، يرجع بعضها الى القرن السادس عشر. وتشمل هذه البقايا هياكل خشبية لسفن تجارية، واجزاء من ارصفة حجرية كانت تستخدم لتحميل وتفريغ البضائع، اضافة الى ادوات ملاحية وقطع فخارية تعكس النشاط التجاري والزراعي في تلك الفترة.
رغم ان اعمال الاستكشاف في سواكن لا تزال محدودة نسبيا، الا ان الموقع يمتلك امكانات كبيرة ليكون من ابرز المتاحف المغمورة بالمياه في منطقة البحر الاحمر. ويشكل مزيجا فريدا من العمارة الاسلامية والتاريخ الملاحي، ما يجعله نقطة جذب مهمة للباحثين والمهتمين بالتراث البحري العربي والافريقي.
6. الوجه - السعودية
يقع ميناء الوجه على الساحل الشمالي الغربي للمملكة العربية السعودية ويعد من اقدم الموانئ التاريخية على البحر الاحمر. كان يشكل محطة مهمة في طرق التجارة والملاحة القديمة، خصوصا في العصور الاسلامية، حيث استخدم لنقل الحجاج والبضائع بين شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر.
يضم الساحل القريب من المدينة حطام سفن ومواقع اثرية تحت الماء تعود لفترات مختلفة من التاريخ، وتشير هذه البقايا الى نشاط ملاحي وتجاري واسع في المنطقة. من بين ما تم اكتشافه بقايا مراسي حجرية، وصواميل نحاسية، واوان فخارية استخدمت على متن السفن القديمة.
تعمل جهات سعودية مختصة حاليا على توثيق ودراسة هذه المواقع في اطار جهود الحفاظ على التراث الثقافي المغمور بالمياه، ويجري تطوير خطط لتحويل بعض هذه المواقع الى مواقع جذب سياحي اثري تحت الماء تتيح للزوار استكشاف التاريخ البحري للمنطقة. ويمثل ميناء الوجه جزءا مهما من خريطة المتاحف المغمورة في الوطن العربي.
7. جزر البحرين
تضم سواحل البحرين مواقع اثرية غارقة تعود الى حضارة دلمون التي ازدهرت في الخليج العربي قبل اكثر من اربعة الاف عام. وتشير الدراسات والابحاث الى وجود بقايا مبان حجرية وادوات فخارية ومراسي بالقرب من الجزر، تعكس النشاط التجاري والبحري الذي عرفته المنطقة منذ فجر التاريخ.
تشكل هذه الاثار الغارقة دليلا على ان البحرين كانت مركزا حضاريا مهما يربط بين وادي الرافدين ووادي السند، وقد استخدمت سواحلها كموانئ لتبادل السلع والثقافات. وتشير الاكتشافات الاخيرة الى وجود قرى ساحلية مغمورة ومواقع دفن قريبة من الشواطئ، ما يفتح المجال لمزيد من التنقيب العلمي.
تُعد هذه المواقع نواة حقيقية لتطوير المتاحف المغمورة بالمياه في الوطن العربي، حيث تمتلك البحرين بنية تحتية متقدمة في مجال السياحة والتراث. وقد بدأت جهود وطنية ودولية لتوثيق هذه الكنوز الغارقة واستثمارها في تعزيز الوعي بالتراث البحري، ودعم السياحة الثقافية المستدامة في الخليج العربي.
خاتمة
في الختام، تمثل المتاحف المغمورة بالمياه في الوطن العربي رصيداً استثنائياً من التراث الثقافي والتاريخي الذي لم ينل بعد ما يستحقه من اهتمام وترويج. إن هذه المواقع الغارقة ليست مجرد آثار مغمورة في قاع البحر، بل هي شواهد حية على عصور ازدهار وتفاعل حضاري كبير شهدته المنطقة، وتكشف عن عمق الارتباط بين الإنسان العربي والبحر، سواء من حيث التجارة أو العمران أو الحياة اليومية.
لقد أبرزنا في هذا السياق سبعة من أهم المتاحف المغمورة بالمياه، مثل هيراكليون وكانوب في مصر، ومرافئ صور وصيدا في لبنان، وسواكن في السودان، والوجه في السعودية، وآثار حضارة دلمون الغارقة في البحرين. وتكمن أهمية هذه المواقع في قدرتها على الجمع بين البعد الأثري والعلمي، والبعد السياحي والاقتصادي، ما يمنحها خصوصية كبيرة ضمن خريطة التراث العربي.
وعلى الرغم من التحديات المرتبطة بالكشف والحفظ والوصول إلى هذه المواقع، فإن الاستثمار فيها يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في مجال السياحة الثقافية والبحرية في الوطن العربي. فبفضل التطور التكنولوجي في مجالات الغوص والتوثيق الرقمي، أصبح من الممكن إتاحة هذا النوع من التراث للجمهور العام والمهتمين، سواء من خلال الزيارات الميدانية أو المعارض التفاعلية أو النماذج الافتراضية.
إن المتاحف المغمورة بالمياه في الوطن العربي تمثل فرصة حقيقية لإعادة اكتشاف الهوية الحضارية المشتركة وتعزيز الوعي بأهمية التراث الثقافي غير التقليدي. كما أنها تمهد الطريق لتعاون عربي في مجالات البحث الأثري تحت الماء، وتبادل الخبرات في الترميم والتوثيق، وخلق شبكات إقليمية لحماية هذا التراث من المخاطر البيئية والتجارية.
ومن هنا، فإن الحفاظ على هذه الكنوز الغارقة، وتقديمها للعالم بطريقة علمية وجذابة، ليس مجرد واجب ثقافي، بل هو مسؤولية حضارية واقتصادية في آن واحد، تساهم في ترسيخ مكانة الوطن العربي كمساحة غنية بالتراث الإنساني المتنوع.
مراجع
1. التراث الثقافي المغمور بالمياه
المؤلف: د. خالد عبد الفتاح
المحتوى: يعرض المبادئ العامة للتراث الغارق وأهم المواقع الغارقة في مصر.
2. آثار مصر الغارقة: الاكتشافات الجديدة في خليج أبي قير
المؤلف: فرانك غوديو (ترجمة عربية)
المحتوى: يتناول الاكتشافات الأثرية في هيراكليون وكانوب وموقعها في البحر الأبيض المتوسط.
3. علم الآثار البحرية: مدخل نظري وتطبيقي
المؤلف: د. عبد الحميد الحمداني
المحتوى: يقدم أسس وتقنيات التنقيب تحت الماء مع أمثلة من الوطن العربي.
4. الآثار الغارقة على السواحل اللبنانية
المؤلف: د. منى ياغي
المحتوى: دراسة تحليلية للمواقع الغارقة في صور وصيدا وميناء بيروت القديم.
5. سواكن: التاريخ والتراث الغارق
المؤلف: د. أحمد الطيب محمد
المحتوى: يناقش تاريخ جزيرة سواكن وآثارها البرية والبحرية.
6. دلمون الحضارة الغارقة
المؤلف: د. علي أحمد الكبيسي
الناشر: مركز التراث الخليجي - البحرين
المحتوى: يتحدث عن حضارة دلمون وآثارها الغارقة في سواحل الخليج العربي.
7. الاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي المغمور بالمياه - شرح وتحليل
المؤلف: د. سميرة عبد القادر
المحتوى: تحليل لاتفاقية اليونسكو لعام 2001 وتطبيقاتها في الدول العربية.
مواقع الكترونية
1.موقع اليونسكو - التراث الثقافي المغمور بالمياه رابط
يضم معلومات مفصلة حول الاتفاقيات الدولية لحماية التراث الغارق، بما في ذلك مواقع عربية مثل خليج أبي قير في مصر.
2.مكتبة الإسكندرية - مركز الدراسات البحرية والآثار الغارقة رابط
يعرض أنشطة البحث والتنقيب في الإسكندرية، ومنها هيراكليون وكانوب، ويحتوي على تقارير وصور ميدانية.
3.الهيئة العامة للآثار المصرية - إدارة الآثار الغارقة رابط
يوثق أهم الاكتشافات في البحر المتوسط ويعرض خريطة للمواقع الأثرية الغارقة.
4.المعهد العالي للآثار البحرية - جامعة البلمند (لبنان) رابط
ينشر دراسات وتقارير حول المواقع الغارقة قبالة سواحل لبنان، خاصة في صور وصيدا، ومشاريع التوثيق والحفاظ.
اترك تعليق جميل يظهر رقي صاحبه