📁 آخرالمقالات

الواقع الافتراضي و الواقع المعزز في علم الآثار والجيوماتكس والهندسة المعمارية

الواقع الافتراضي و الواقع المعزز

يمثل كل من الواقع الافتراضي (Virtual Reality) والواقع المعزز (Augmented Reality) ثورتين تقنيتين غيرتا طريقة تفاعل الإنسان مع المعلومات والمحيط الرقمي.

الواقع الافتراضي يُحاكي بيئة رقمية كاملة تنقل المستخدم إلى عالم مصطنع ثلاثي الأبعاد، يتم الوصول إليه غالبًا عبر خوذات رأس مخصصة (مثل Oculus أو HTC Vive)، ليتمكن الشخص من التفاعل مع محيط افتراضي وكأنه جزء منه. يُستخدم هذا النوع بشكل واسع في الألعاب الإلكترونية، التدريب العسكري، الطب، والتعليم، كما يدخل بقوة في مجالات الثقافة والتراث، حيث يتيح زيارة مواقع تاريخية غير متاحة ميدانيًا.

الواقع الافتراضي مقابل الواقع المعزز في علم الآثار والجيوماتكس والهندسة المعمارية
الواقع الافتراضي والواقع المعزز

أما الواقع المعزز، فهو يضيف عناصر رقمية (صور، نصوص، فيديو) إلى البيئة الواقعية عبر شاشات الهاتف الذكي أو نظارات AR مثل Microsoft HoloLens، مما يعزز التجربة دون أن يعزل المستخدم عن واقعه. ويُستخدم في تطبيقات الملاحة، التعليم، الطب، والصناعة.

الفرق الجوهري بينهما هو أن الواقع الافتراضي يستبدل العالم الحقيقي بعالم رقمي كلي، بينما الواقع المعزز يُحسّن الواقع بإضافات رقمية. ومع التقدم المتواصل، أصبح الدمج بينهما يُعرف بالواقع المختلط (Mixed Reality)، فاتحًا آفاقًا غير مسبوقة في التعليم والترفيه والتدريب والتوثيق.

1. تعريف الواقع الافتراضي (VR)

الواقع الافتراضي (VR) هو تقنية تغمر المستخدمين في بيئة رقمية بالكامل يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر. ولتحقيق هذا الانغماس، يستخدم الواقع الافتراضي عادة شاشات عرض مثبتة على الرأس (HMDs) أو نظارات الواقع الافتراضي التي تحل محل رؤية المستخدم للعالم الحقيقي تمامًا مع رؤية تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر. يمكن للمستخدمين الذين يرتدون سماعات الواقع الافتراضي استكشاف هذه البيئة الاصطناعية والتفاعل معها، غالبًا بمساعدة وحدات تحكم أو أجهزة استشعار متخصصة تتتبع تحركاتهم.

تشمل الميزات الرئيسية للواقع الافتراضي ما يلي:

   1.الانغماس الكامل:

 يخلق الواقع الافتراضي واقعًا اصطناعيًا غامرًا تمامًا حيث يكون المستخدم محاطًا بالكامل بالمحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر، مما يحجب العالم المادي.

   2.البيئات الاصطناعية:

 بيئات الواقع الافتراضي يتم إنشاؤها بالكامل بواسطة الكمبيوتر، مما يسمح بإمكانيات لا حدود لها من حيث التصميم والتفاعل.

   3.العزلة:

 غالبًا ما يعزل الواقع الافتراضي المستخدم عن العالم الحقيقي، مما يجعله مناسبًا للتطبيقات التي يكون فيها الانغماس الكامل أمرًا مرغوبًا فيه.

2. تعريف الواقع المعزز (AR)

الواقع المعزز (AR) هو تقنية تعمل على تراكب المعلومات الرقمية والأشياء الافتراضية في بيئة العالم الحقيقي. وعلى عكس الواقع الافتراضي، لا يحل الواقع المعزز محل رؤية المستخدم ولكنه يعززها من خلال مزج العناصر الرقمية مع البيئة المادية المحيطة. يتم تجربة الواقع المعزز عادةً من خلال الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية أو نظارات الواقع المعزز أو شاشات العرض الأمامية (HUDs).

تشمل الميزات الرئيسية للواقع المعزز ما يلي:

   1. الواقع المعزز:

 يعمل الواقع المعزز على تعزيز رؤية العالم الحقيقي بالمعلومات الرقمية، مما يسمح للمستخدمين برؤية كل من البيئة المادية والأشياء الافتراضية في وقت واحد.

   2. التفاعل السياقي:

 غالبًا ما يكون الواقع المعزز مدركًا للسياق، مما يعني أنه يمكن أن يوفر معلومات أو صور مرئية ذات صلة بناءً على موقع المستخدم والمناطق المحيطة به.

   4.التكامل: 

يدمج الواقع المعزز العناصر الرقمية والمادية بسلاسة، مما يجعله مناسبًا للتطبيقات التي يحتاج فيها المستخدمون إلى معلومات في الوقت الفعلي في مجال رؤيتهم.

3. مقارنة بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز

الآن، دعونا نقارن بين الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) بناءً على عدة جوانب رئيسية:

   1. الانغماس Immersion:

يوفر الواقع الافتراضي انغماسًا كاملاً من خلال استبدال عرض العالم الحقيقي ببيئة يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر.

يوفر الواقع المعزز انغماسًا جزئيًا من خلال تراكب العناصر الرقمية على عرض العالم الحقيقي.

   2. التفاعل في العالم الحقيقي:

عادةً ما يعزل الواقع الافتراضي المستخدمين عن العالم المادي، مما يحد من تفاعلهم معه.

يشجع الواقع المعزز التفاعل مع العالم الحقيقي حيث يتم دمج العناصر الرقمية فيه.

   4. معدات: Equipment:

يتطلب الواقع الافتراضي سماعات رأس متخصصة (HMDs) أو نظارات الواقع الافتراضي.

يمكن تجربة الواقع المعزز على العديد من الأجهزة، بما في ذلك الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ونظارات الواقع المعزز وشاشات العرض الأمامية.

   5. الهدف :Purpose:

غالبًا ما يتم استخدام الواقع الافتراضي للتجارب الغامرة وعمليات المحاكاة والألعاب.

   6. درجة الانغماس: 

الفرق الأكثر أهمية بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز هو مستوى الانغماس. يعمل الواقع الافتراضي على غمر المستخدمين بالكامل في عالم افتراضي، بينما يعزز الواقع المعزز العالم الحقيقي بعناصر رقمية.

   7. التفاعل في العالم الحقيقي:

 يعزل الواقع الافتراضي المستخدمين عن محيطهم، مما يحد من التفاعل في العالم الحقيقي. في المقابل، يشجع الواقع المعزز المستخدمين على التفاعل مع البيئة المادية.

   8. المعدات:

 يتطلب الواقع الافتراضي سماعات رأس متخصصة، والتي يمكن أن تكون ضخمة ومعزولة. يعد الواقع المعزز أكثر تنوعًا ويمكن تجربته باستخدام الأجهزة الشائعة مثل الهواتف الذكية ونظارات الواقع المعزز.

على الرغم من أن الواقع الافتراضي والواقع المعزز يتمتعان بخصائص مميزة، إلا أنهما يشتركان أيضًا في بعض القواسم المشتركة:

   9. المحتوى الرقمي:

 تتضمن كلتا التقنيتين استخدام المحتوى الرقمي. يقوم الواقع الافتراضي بإنشاء بيئات رقمية بالكامل، بينما يقوم الواقع المعزز بدمج المعلومات الرقمية في العالم الحقيقي.

   10 .مشاركة المستخدم:

 يهدف كل من الواقع الافتراضي والواقع المعزز إلى إشراك المستخدمين من خلال توفير تجارب تفاعلية وديناميكية.

   11.الفهم المكاني: 

تتطلب كلتا التقنيتين فهم السياق المكاني للمستخدم، سواء لإنشاء بيئة افتراضية (VR) أو لتراكب العناصر الرقمية على العالم المادي (AR).

   12.التصور:

 يعتمد الواقع الافتراضي والواقع المعزز على تقنيات التصور المتقدمة لتقديم المحتوى الرقمي بشكل فعال.

4. مجالات الاستخدام للواقع الافتراضي والواقع المعزز

لقد وجد الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) تطبيقات متنوعة في عدة مجالات:

   أ.حالات الاستخدام:

 يُستخدم الواقع الافتراضي بشكل شائع في الألعاب والمحاكاة وسيناريوهات التدريب الغامرة. يجد الواقع المعزز تطبيقات في الملاحة والصيانة والتعليم وتعزيز المهام الواقعية.

   ب. نقاط التشابه بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز

يتم استخدام الواقع المعزز بشكل متكرر لتعزيز مهام العالم الحقيقي بالمعلومات السياقية، مثل التنقل والصيانة والتدريب.

   ج. نقاط الاختلاف بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز

   1. علم الآثار:

      أ.الواقع الافتراضي: يستخدم علماء الآثار الواقع الافتراضي في علم الاثار لإنشاء عمليات إعادة بناء غامرة للمواقع القديمة، مما يسمح للباحثين والجمهور باستكشافها افتراضيًا.وهذا لمي يكن معروفا في بدايات علم الأثار.

      ب. الواقع المعزز: يساعد الواقع المعزز في الاستكشاف الأثري في الموقع من خلال توفير تراكبات في الوقت الفعلي للبيانات التاريخية ونماذج ثلاثية الأبعاد أثناء الحفريات.

   2. الجيوماتكس:

      أ.الواقع الافتراضي: يستخدم خبراء الجيوماتكس الواقع الافتراضي لتصور البيانات والتحليل المكاني، مما يمكنهم من تحليل المعلومات الجغرافية المعقدة في مساحة ثلاثية الأبعاد.

      ب. الواقع المعزز: يمكن للواقع المعزز مساعدة المتخصصين في علم الجيوماتكس في جمع البيانات في الوقت الفعلي ورسم الخرائط والتنقل في الميدان.

   3. الهندسة والبناء :

      أ.الواقع الافتراضي: يستخدم المهندسون المعماريون الواقع الافتراضي لتصور نماذج البناء ثلاثية الأبعاد والتجول فيها، مما يساعد في التصميم والتخطيط والعروض التقديمية للعملاء.وتقديم فهم أوضح لتقنيات البناء  في بالحضارات القديمة  و مواد البناء المستعملة .

      ب. الواقع المعزز: يتم استخدام الواقع المعزز للتصور المعماري في الوقت الفعلي، مما يسمح للمهندسين المعماريين بمعرفة مدى تناسب التصميمات مع البيئات الحالية.

   4.  الإدارة الحضرية:

     أ. الواقع الافتراضي: يساعد الواقع الافتراضي في التخطيط الحضري من خلال إنشاء نماذج حضرية غامرة لأصحاب المصلحة ومخططي المدن لتقييم البنية التحتية للمدينة وتحسينها.

     ب.الواقع المعزز: يساهم الواقع المعزز في الإدارة الحضرية من خلال تطبيقات مثل الملاحة الذكية في المدينة وتراكبات البيانات في الوقت الفعلي للصيانة والإصلاحات.

خاتمة

في خضم الثورة الرقمية المتسارعة، لم يعد علم الآثار حبيس أدوات الحفر التقليدية ومناهج التحليل الكلاسيكية، بل أصبح مجالًا ديناميكيًا يتفاعل بعمق مع الابتكارات التقنية، وعلى رأسها الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR). فقد أسهما في تغيير جوهري لطبيعة البحث الأثري، سواء من حيث الدراسة أو العرض أو التوثيق أو النشر.

يمكن للواقع الافتراضي اليوم أن ينقل الباحث والزائر على حد سواء إلى أعماق التاريخ؛ فمن خلال بيئة رقمية تفاعلية ثلاثية الأبعاد، يمكن محاكاة المعابد القديمة، والتنقل في أروقة المدن المنسية، واستكشاف المقابر الملكية دون الحاجة إلى الحضور المادي. وهذا يمنح الباحثين فرصة لإجراء تحليل معمّق دون التأثير على البنية الأثرية الأصلية، ويمنح الجمهور العام تجربة تعليمية فريدة تعزز من فهمه للتراث الإنساني.

أما الواقع المعزز، فقد سمح بإضافة معلومات رقمية توضيحية إلى المواقع الأثرية القائمة. حيث يمكن للسائح أو الطالب من خلال هاتفه الذكي أو نظارة AR أن يرى معلومات تظهر مباشرة أمام المعلم، مثل النصوص القديمة، أو رسومات توضّح شكل المبنى في حالته الأصلية، أو حتى شخصيات افتراضية تروي قصة الموقع.

يساهم كلا المفهومين في تجاوز عقبات التآكل الزمني، والوصول الجغرافي المحدود، والحاجة إلى حماية المواقع من الزحام والتخريب. كما يفتحان المجال للباحثين لإعادة بناء البيئات القديمة بدقة استنادًا إلى المعطيات الأثرية والعلمية، مما يعزز الفرضيات ويدعم النقاش الأكاديمي بالتصور البصري.

في النهاية، تُمثّل هذه التقنيات جسورا بين الماضي والمستقبل، تربط الأجيال المعاصرة بتراثها الإنساني بأسلوب حيّ وتفاعلي. ويدعو هذا التكامل بين التكنولوجيا والعلوم الإنسانية إلى ضرورة تبني هذه الأدوات في مؤسسات البحث والتعليم والمتاحف، لضمان استمرار نقل المعرفة الأثرية بطريقة تواكب متطلبات العصر وتحفظ في الوقت ذاته روح التاريخ. إن توظيف الواقع الافتراضي والمعزز ليس رفاهية، بل ضرورة علمية وثقافية في خدمة الذاكرة الإنسانية المشتركة.

اقرا المزيد مقالات تكميلية

  1. التقنيات الحديثة و علم الآثار الجوية . رابط
  2. نشأة و مراحل تطور علم الأثار. رابط
  3. علم الآثار تعريفه , خصائصه, وأنواعه. رابط
  4. المزواة الرقمية . رابط

مراجع 

1. "تطبيقات الواقع الافتراضي في التعليم والمتاحف"

   - المؤلف: د. أحمد علي سلام

   - يتناول هذا الكتاب استخدام الواقع الافتراضي في المتاحف، وأثره على التفاعل التعليمي والجماهيري مع التراث.

2. "الآثار والتقنيات الحديثة"

   - المؤلف: د. محمود عبد الفتاح

   - يناقش تقنيات الليزر، التصوير ثلاثي الأبعاد، والواقع الافتراضي والمعزز في توثيق وصيانة المواقع الأثرية.

3. "مدخل إلى تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز"

   - المؤلف: د. عادل يوسف صادق

   - يشرح هذا المرجع أساسيات VR/AR، مع تطبيقات متنوعة في مجالات منها السياحة الثقافية والآثار.

4. "الرقمنة والتراث الثقافي: نحو متاحف ذكية"

   - المؤلف: د. نهاد عبد الحليم مصطفى

   - يستعرض الكتاب العلاقة بين التكنولوجيا والهوية الثقافية، ويوضح كيف تساهم التقنيات الحديثة في الحفاظ على التراث ونقله للأجيال القادمة.

مواقع الكرتونية 

1.اليونسكو- التكنولوجيا والتراث الثقافي

 يعرض مشاريع اليونسكو التي تستخدم التقنيات الحديثة لحماية التراث.

 رابط: https://www.unesco.org/en/digital-heritage

CyArk .2- التوثيق الرقمي للآثار العالمية

 منظمة غير ربحية توثق المواقع الأثرية باستخدام التصوير ثلاثي الأبعاد وتقنيات الواقع الافتراضي.

 رابط: https://www.cyark.org

The British Museum .3- مشاريع الواقع الافتراضي

 يعرض الموقع كيف يوظف المتحف البريطاني الواقع الافتراضي لعرض القطع الأثرية والتجارب التعليمية.

 رابط: https://britishmuseum.withgoogle.com

Google Arts & Culture .4- استكشاف المتاحف والمواقع الأثرية افتراضياً

 منصة ضخمة بالتعاون مع متاحف عالمية تتيح جولات افتراضية ثلاثية الأبعاد للمواقع والمعروضات الأثرية.

 رابط: https://artsandculture.google.com


أسئلة شائعة

تعليقات