📁 آخرالمقالات

جمعية إحياء التراث-حامية الهوية وناقلة الموروث عبر الأجيال

جمعية إحياء التراث

جمعية إحياء التراث-حامية الهوية وناقلة الموروث عبر الأجيال

في عالمٍ متسارع الخطى نحو التكنولوجيا والعولمة، تبرز أهمية الحفاظ على الموروث الثقافي والتراثي كضرورة ملحة للحفاظ على الهوية وترسيخ الانتماء. من هنا تأتي أهمية المؤسسات والجمعيات المختصة بإحياء التراث، تلك التي تحمل على عاتقها مسؤولية جمع شتات الماضي وحفظه وتوثيقه ونقله للأجيال القادمة. تعد جمعيات إحياء التراث بمثابة الجسر الذي يربط الماضي بالحاضر، ويصل جذور الأمس بثمار اليوم، ويحافظ على خصوصية المجتمعات وسط طوفان العولمة.

1. نشأة جمعيات إحياء التراث

ظهرت جمعيات إحياء التراث في معظم المجتمعات العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، متزامنةً مع حركات الاستقلال الوطني والوعي المتزايد بأهمية الثقافة المحلية في مواجهة محاولات الطمس والتغريب. ونتيجة لإدراك المفكرين والمثقفين لخطورة ضياع الموروث الثقافي، تأسست العديد من الجمعيات التي تهدف إلى جمع التراث وتوثيقه وحفظه من الضياع والاندثار.

تتنوع الأشكال القانونية لهذه الجمعيات، فمنها ما هو رسمي تابع للدولة، ومنها ما هو أهلي يعتمد على الجهود التطوعية والمبادرات المجتمعية. وعلى اختلاف طبيعتها، فإن هذه الجمعيات تشترك في رسالة واحدة: الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع وإبرازها بصورة معاصرة.

2. أهداف جمعية إحياء التراث

تسعى جمعية إحياء التراث إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الأساسية، أبرزها:

1. الحفاظ على الموروث الثقافي: توثيق وحفظ العناصر التراثية بمختلف أشكالها من الاندثار، سواء كانت مادية كالصناعات اليدوية والأزياء التقليدية والعمارة، أو غير مادية كالحكايات الشعبية والأهازيج والأغاني.

2. نشر الوعي بأهمية التراث: تعزيز إدراك المجتمع، خاصة الأجيال الجديدة، بقيمة التراث ودوره في تشكيل الهوية الوطنية والثقافية.

3. إجراء البحوث والدراسات: القيام بدراسات علمية موثقة حول مختلف جوانب التراث، وإصدار المنشورات والكتب المتخصصة.

4. تنظيم الفعاليات والمعارض: إقامة المعارض والمهرجانات التي تعرض عناصر التراث وتبرز جمالياته للجمهور المعاصر.

5. التواصل مع جمعيات مماثلة: التنسيق وتبادل الخبرات مع الجمعيات المشابهة، محلياً وعالمياً، للاستفادة من التجارب الناجحة.

6. توظيف التكنولوجيا الحديثة: استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في توثيق التراث ونشره عبر المنصات الرقمية، مما يسهل وصوله للأجيال الشابة.

3. أنشطة وبرامج جمعية إحياء التراث

تقوم جمعية إحياء التراث بتنفيذ مجموعة متنوعة من الأنشطة والبرامج، منها:

 1. الجمع والتوثيق

تعد عمليات جمع وتوثيق التراث من أهم الأنشطة التي تقوم بها الجمعية، حيث تنظم حملات ميدانية لجمع المقتنيات التراثية والمخطوطات القديمة، وتوثيق الحرف والصناعات التقليدية قبل اندثارها. كما تقوم بتسجيل الحكايات والأغاني الشعبية من كبار السن الذين يعدون مصدراً أصيلاً للتراث الشفهي.

 2. المتاحف والمعارض

تعمل الجمعية على إنشاء متاحف متخصصة تعرض القطع التراثية الأصيلة وتوضح استخداماتها، كما تقيم معارض دورية تسلط الضوء على جوانب محددة من التراث، مثل معارض الأزياء التقليدية، أو الصناعات اليدوية، أو الآلات الموسيقية القديمة.

 3. ورش العمل والدورات التدريبية

تنظم الجمعية ورش عمل ودورات تدريبية لتعليم الحرف التقليدية مثل النسيج والسجاد والفخار والنقش على الخشب، بهدف نقل هذه المهارات للأجيال الجديدة ومنع اندثارها، مما يساهم أيضاً في خلق فرص عمل وتحقيق تنمية اقتصادية.

 4. الفعاليات والمهرجانات

تقيم الجمعية مهرجانات وأسابيع ثقافية تحتفي بالتراث الشعبي، وتشمل عروضاً للفنون الشعبية كالرقصات والأغاني التقليدية، وأمسيات للشعر النبطي والقصة الشعبية، وعروضاً للأزياء التقليدية.

 5. النشر والإعلام

تصدر الجمعية مجلات وكتباً متخصصة في مجال التراث، وتنتج أفلاماً وثائقية تسجل العادات والتقاليد والحرف القديمة، كما تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي بأهمية التراث بين مختلف فئات المجتمع.

 6. البرامج التعليمية

تنفذ الجمعية برامج تعليمية موجهة للطلاب في المدارس والجامعات، تشمل محاضرات وزيارات ميدانية للمواقع التراثية، وورش عمل تفاعلية تهدف إلى غرس الاعتزاز بالتراث في نفوس النشء.

4. التحديات التي تواجه جمعيات إحياء التراث

على الرغم من الدور المهم الذي تقوم به جمعيات إحياء التراث، إلا أنها تواجه العديد من التحديات، منها:

 1. التحديات المالية

تعاني العديد من الجمعيات من قلة الموارد المالية اللازمة لتنفيذ برامجها وأنشطتها، خاصة تلك التي تعتمد على الجهود التطوعية والدعم المجتمعي. ولمواجهة هذا التحدي، تلجأ بعض الجمعيات إلى البحث عن مصادر تمويل متنوعة مثل الدعم الحكومي، والمنح الدولية، والرعاية من القطاع الخاص، وتسويق المنتجات التراثية.

 2. ضعف الوعي المجتمعي

يمثل ضعف الوعي بأهمية التراث، خاصة بين الأجيال الشابة، تحدياً كبيراً أمام الجمعيات. ويتطلب مواجهة هذا التحدي استراتيجيات تواصل مبتكرة تخاطب الشباب بلغتهم وتستخدم التكنولوجيا والوسائط الحديثة لجذب اهتمامهم.

 3. العولمة والتغيرات الاجتماعية

تؤدي العولمة والتغيرات الاجتماعية السريعة إلى تراجع الاهتمام بالتراث المحلي لصالح الثقافات الوافدة، مما يزيد من صعوبة الحفاظ على العناصر التراثية، خاصة غير المادية منها. ولمواجهة هذا التحدي، تحاول الجمعيات تقديم التراث بصورة عصرية تجمع بين الأصالة والمعاصرة.

 4. نقص المتخصصين

تفتقر العديد من الجمعيات إلى المتخصصين في مجالات التراث المختلفة، سواء في الجانب العلمي الأكاديمي أو في الجانب التقني المتعلق بالحرف التقليدية. ولمعالجة هذا النقص، تعمل بعض الجمعيات على استقطاب الخبراء والحرفيين كبار السن، وتدريب كوادر شابة متخصصة.

5. نماذج ناجحة لجمعيات إحياء التراث

 1. جمعية إحياء التراث الشعبي العربي

تأسست هذه الجمعية في أواخر السبعينيات بهدف جمع وتوثيق التراث الشعبي العربي. نجحت الجمعية في إنشاء متحف شامل للتراث، وأرشيف ضخم للأغاني والحكايات الشعبية، كما أصدرت عشرات الكتب والدراسات المتخصصة، ونظمت العديد من المهرجانات السنوية التي أصبحت علامة ثقافية بارزة.

 2. جمعية الحرف التقليدية

ركزت هذه الجمعية جهودها على إحياء الحرف اليدوية التقليدية، ونجحت في إنشاء مركز تدريبي متخصص يقدم دورات في مختلف الحرف. كما أسست سوقاً دائماً لتسويق المنتجات الحرفية، مما وفر فرص عمل للشباب وساهم في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.

 3. جمعية التراث المعماري

اختصت هذه الجمعية بالحفاظ على التراث المعماري والمباني التاريخية، وقامت بتوثيق المئات من المباني التراثية المهددة بالاندثار، ونفذت مشاريع ترميم للعديد منها، كما نظمت حملات توعية بأهمية الحفاظ على طراز العمارة التقليدية.

6. دور التكنولوجيا في إحياء التراث

في ظل التطور التكنولوجي الهائل، أصبح بإمكان جمعيات إحياء التراث الاستفادة من التقنيات الحديثة في حفظ التراث ونشره، ومن أبرز هذه التطبيقات:

1. التوثيق الرقمي: استخدام التقنيات الرقمية في توثيق القطع الأثرية والمخطوطات بدقة عالية، وحفظها في قواعد بيانات إلكترونية يمكن الرجوع إليها بسهولة.

2. تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز: توظيف هذه التقنيات في إنشاء متاحف افتراضية تتيح للزوار تجربة تفاعلية مع عناصر التراث، وإعادة بناء المواقع التاريخية افتراضياً.

3. وسائل التواصل الاجتماعي: استخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر الوعي بالتراث، وجذب الشباب للمشاركة في أنشطة الجمعية.

4. التطبيقات الذكية: تطوير تطبيقات للهواتف الذكية تقدم معلومات عن التراث بطريقة تفاعلية وجذابة، مثل تطبيقات الجولات الافتراضية في المواقع التراثية.

7. الاستدامة في عمل جمعيات إحياء التراث

لضمان استمرارية عمل جمعيات إحياء التراث وتحقيق أهدافها على المدى البعيد، ينبغي تبني مفهوم الاستدامة في مختلف جوانب عملها:

1. الاستدامة المالية: تنويع مصادر الدخل من خلال تسويق المنتجات التراثية، وتقديم خدمات استشارية، وتنظيم فعاليات مدفوعة.

2. الاستدامة البشرية: استقطاب الشباب والمتطوعين، وبناء قدراتهم، وضمان انتقال الخبرات بين الأجيال.

3. الاستدامة المؤسسية: تطوير الهياكل التنظيمية وأنظمة العمل بما يضمن استمرارية المؤسسة بغض النظر عن تغير القيادات.

4. الاستدامة المجتمعية: ترسيخ قيمة التراث في المجتمع، وتحقيق مشاركة مجتمعية واسعة في أنشطة الجمعية.

 خاتمة

تلعب جمعيات إحياء التراث دوراً محورياً في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمعات في ظل تحديات العولمة والتغيرات المتسارعة. إن نجاح هذه الجمعيات في تحقيق أهدافها يتطلب تضافر جهود مختلف أطراف المجتمع، من مؤسسات حكومية وقطاع خاص وأفراد، للمساهمة في دعم برامجها وأنشطتها.

إن التراث ليس مجرد ماضٍ نحتفي به، بل هو رصيد حضاري يمكن الاستفادة منه في بناء المستقبل، من خلال استلهام قيمه وجمالياته في مختلف مجالات الحياة المعاصرة. ومن هنا تأتي أهمية دور جمعيات إحياء التراث في الربط بين الماضي والحاضر، وتقديم التراث كمصدر إلهام ومعين للإبداع، وليس قيداً يعيق التطور والتجديد.

ولعل أهم ما يمكن أن نختم به هو أن الحفاظ على التراث مسؤولية مشتركة لا تقع على عاتق جمعيات إحياء التراث وحدها، بل هي مسؤولية المجتمع بأكمله، كل فرد وكل مؤسسة، لأن التراث هو المرآة التي تعكس هويتنا وتاريخنا، وهو الجسر الذي يربطنا بجذورنا، ويمنحنا الثقة لمواجهة تحديات المستقبل.

مراجع 

1. اليونسكو – التراث الثقافي

موقع غني بالموارد عن التراث الثقافي والطبيعي في العالم، يشمل الاتفاقيات الدولية، قوائم التراث، وأدلة الحماية.
.unesco.org/ar/culture

2. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) – التراث

يحتوي على تقارير ومشاريع لحماية التراث العربي، وأدلة فنية وأكاديمية باللغة العربية.
alecso.org/nsite/ar/culture/heritage

3. المعهد الفرنسي للآثار الشرقية (IFAO)

يقدم منشورات وتقارير أثرية من مشاريع ميدانية في مصر والمنطقة، مع أرشيف رقمي.
ifao.egnet.net

4. المكتبة الرقمية العالمية – تراث عالمي

مبادرة من اليونسكو ومكتبة الكونغرس، توفر مصادر رقمية نادرة عن التراث والثقافات العالمية.
wdl.org/ar

5. موقع هيئة التراث – السعودية

مورد رسمي شامل عن التراث الوطني في المملكة العربية السعودية، يشمل المواقع، الوثائق، والبرامج. heritage.moc.gov.sa

6. موقع مكتبة قطر الرقمية – التراث والتاريخ

يضم مخطوطات، خرائط، وصورًا أرشيفية من الخليج العربي والجزيرة العربية. qdl.qa/ar

7. معهد غوته – التراث والثقافة

مقالات ومشاريع ثقافية باللغة العربية، تُعنى بالهوية والتراث في السياق المعاصر.
goethe.de/ins/eg/ar/kul/supl

8. جامعة الدول العربية – إدارة الثقافة

توفر دراسات رسمية ومشاريع إقليمية في مجال التراث وحماية الهوية الثقافية.
.lasportal.org/ar/sectors/dep/Pages/Culture.aspx

9. موقع دائرة الآثار العامة – الأردن

يحتوي على تقارير مسح أثري، ترميم، ومشاريع حماية التراث في الأردن.
doa.gov.jo

10. موقع متاحف قطر – الآثار والتراث

موقع غني بالمعلومات عن المواقع الأثرية، المسوحات، وبرامج الحماية.
qm.org.qa/ar/our-activities/heritage



تعليقات