التراث الإماراتي القديم-مرآة الأصالة وجذور الهوية
يعَد التراث الإماراتي القديم مرآةً صادقة تعكس أصالة المجتمع الإماراتي وجذور هويته العريقة، إذ يُجسّد حياة الأجداد بما تحمله من قيم، ومهارات، وأساليب معيشة تشكّلت في بيئة صحراوية وبحرية صعبة. وقد تنوّعت مظاهر هذا التراث بين الحِرف التقليدية، والفنون الشعبية، والعادات والتقاليد، والموروث الشفهي، بما يبرهن على غنى التجربة الحضارية لأهل الإمارات. إن دراسة هذا التراث لا تقتصر على الماضي فحسب، بل تُسهم في فهم الحاضر وبناء المستقبل، إذ يشكّل صلة وصل بين الأجيال، ويعزز من الاعتزاز بالهوية الوطنية والانتماء الثقافي، في ظل عالم سريع التغير يهدد الكثير من عناصر الأصالة.
1. البيئة الجغرافية وأثرها على التراث الإماراتي
تُعَدُّ البيئة الجغرافية أحد العوامل الجوهرية التي ساهمت في تشكيل ملامح التراث الإماراتي القديم، حيث إن تنوّع التضاريس في دولة الإمارات العربية المتحدة – من صحراء مترامية الأطراف، وسواحل ممتدة، وواحات خصبة، وجبال شاهقة – أسهم في تكوين أنماط حياة متنوعة انعكست في العادات، والمهن، والفنون، والمعمار، والعلاقات الاجتماعية.
الصحراء: مهد الحياة البدوية
تشغل الصحراء جزءًا كبيرًا من أراضي الإمارات، وقد فرضت هذه البيئة نمطًا خاصًا من العيش اتسم بالتنقل والاعتماد على الموارد البسيطة المتوفرة. فكان البدوي الإماراتي يعتمد على الإبل في التنقل والتجارة، وعلى النباتات الصحراوية في العلاج والتغذية، وظهر ذلك جليًا في الأمثال الشعبية، والقصائد النبطية، والعادات المرتبطة بالكرم، والضيافة، والصبر. وقد انعكست حياة الصحراء في العمارة التقليدية من خلال بيوت العرائش والسعف، التي تقي من حرارة الشمس وتُبنى بمواد طبيعية محلية.
الساحل: التراث البحري العريق
أما السواحل الممتدة على الخليج العربي، فقد شكّلت البيئة البحرية التي ازدهرت فيها مهن الغوص على اللؤلؤ، وصيد الأسماك، وصناعة السفن. وقد نشأت ثقافة بحرية غنية تجلّت في الفنون الشعبية مثل "اليامال" و"النهّام"، وفي الحِرف اليدوية المرتبطة بصناعة القوارب الشراعية (الجلافة)، والأدوات الملاحية البسيطة، إضافة إلى نظم معيشية تعتمد على مواسم البحر والرياح.
الواحات: الزراعة والعمارة التقليدية
في الداخل، ساهم وجود الواحات مثل واحة العين في قيام حياة زراعية مستقرة، اعتمدت على النخيل، ومحاصيل بسيطة كالشعير والخضروات، باستخدام أنظمة الري القديمة المعروفة بـ"الأفلاج". وقد ساهم هذا النظام المائي في نشوء مجتمع زراعي منظم له تقاليده في توزيع المياه وطرق الزراعة والاحتفال بالمواسم. كما انعكس الاستقرار الزراعي في العمارة الطينية ذات الطوابق المتعددة، والتي توفر البرودة والظل.
الجبال: الخصوصية الثقافية في المناطق الجبلية
في المناطق الجبلية مثل جبال الحجر، تميّز السكان بنمط حياة مختلف، حيث اعتمدوا على زراعة مدرجات الجبال، ورعي الماعز، وتشييد منازل حجرية صغيرة تتلاءم مع تضاريس وعرة. وتظهر في هذه المناطق عادات خاصة في اللباس والطعام والممارسات الاجتماعية، مما يضيف بُعدًا ثقافيًا آخر إلى التراث الإماراتي.
تنوّع البيئة... تنوّع التراث
لقد أسهم هذا التنوّع البيئي في خلق تراث إماراتي ثري ومتنوع، حيث تمازجت أنماط الحياة الصحراوية والبحرية والزراعية والجبلية، فنتجت عنها منظومة ثقافية متكاملة، تحتفظ بخصوصيتها في كل منطقة، وتشكّل في مجموعها هوية إماراتية أصيلة متجذّرة في الجغرافيا ومتفاعلة مع البيئة.
إن التراث الإماراتي القديم ليس مجرد سرد تاريخي لعادات ومهن وأبنية، بل هو نتاج طبيعي لتفاعل الإنسان مع بيئته الجغرافية. فقد شكّلت الصحراء والبحر والواحات والجبال المعالم الكبرى التي تركت أثرها العميق في كل تفاصيل هذا التراث، وأسهمت في بناء حضارة محلية عريقة، لا تزال آثارها حية في وجدان الإماراتيين حتى يومنا هذا.
2. الحِرف التقليدية والمهن القديمة الإماراتية
يُعَدّ التراث المهني والحرفي في دولة الإمارات العربية المتحدة جزءًا أصيلًا من مكونات الهوية الثقافية والاجتماعية، فقد لعبت الحِرف التقليدية والمهن القديمة دورًا محوريًا في حياة الأجداد، وعكست تفاعل الإنسان الإماراتي مع بيئته الطبيعية والاقتصادية. وبرغم بساطة الأدوات وصعوبة الظروف، فإن هذه الحرف اتسمت بالإتقان والدقة، وكانت تعبيرًا حيًّا عن المهارة، والإبداع، والاعتماد على الذات.
1. حِرَف البحر والغوص
كان البحر مصدر رزق مهم لسكان الإمارات، وازدهرت فيه مهنة الغوص على اللؤلؤ، التي تطلّبت شجاعة وقدرة جسدية عالية. وقد تكوّنت فرق الغوص من نواخذة (قادة السفن) وغواصين وسيوب (المساعدين) وغيرهم، وكان موسم الغوص يمتد لأشهر، وتُحفظ فيه التقاليد الصارمة، وتتردد فيه الأهازيج البحرية التي تخفف من مشقة العمل. كما اشتهر صانعو السفن التقليدية (الجلافة) ببراعتهم في بناء المراكب الشراعية المختلفة مثل "السنبوك" و"البغلة" و"الشوعي"، مستخدمين أخشابًا مستوردة ومسامير حديدية، وتقنيات محلية توارثوها عبر الأجيال.
2. الحِرَف اليدوية النسائية
لعبت النساء دورًا كبيرًا في الحفاظ على التراث الحرفي، ومن أبرز الحِرَف التي اشتهرت بها المرأة الإماراتية التلي، وهي تطريز تقليدي يُستخدم في تزيين الملابس النسائية بخيوط الذهب والفضة. كما برعن في صناعة السدو، وهو نسيج يُنتج من صوف الأغنام أو شعر الماعز، ويُستخدم في تجهيز الخيام والمجالس. كذلك مارست النساء صناعة الخوص، حيث يُنسج سعف النخيل في شكل سلال، وحصر، وأغطية تحفظ الطعام، وكل ذلك يدل على إبداع المرأة الإماراتية في تحويل الخامات البسيطة إلى أدوات نفعية وجمالية.
3. الصناعات المرتبطة بالنخيل
شكّل النخيل شريان حياة في البيئة الإماراتية، فلم يكن يُستخدم فقط للغذاء، بل استُغلت كافة أجزائه في صناعات يدوية، مثل صناعة العريش (البيوت التقليدية من سعف النخيل)، وصناعة الحبال، والمكانس، والمهفات (المراوح اليدوية). وقد أبدع الحرفيون في صناعة الحصير (اليريب) من السعف، والذي يُستخدم في فرش الأرضيات، كما استخدموا الجذوع في بناء الأسقف والدعامات.
4. المهن الزراعية والرعوية
في الواحات والقرى الزراعية مثل العين، كان السكان يمارسون الزراعة التقليدية، مستخدمين نظام "الأفلاج" لتوزيع المياه. وبرزت مهن مثل الفلاح والفلّاج (المسؤول عن توزيع المياه)، حيث كانت هذه الأنشطة تعتمد على التعاون المجتمعي والتخطيط الجماعي. كما مارست بعض القبائل الرعي، خاصة في المناطق الجبلية، مما تطلب معرفة دقيقة بالمراعي، وسبل الحفاظ على المواشي.
5. مهن الأسواق والحِرَف التجارية
شهدت الأسواق الإماراتية القديمة نشاطًا حرفيًا كبيرًا، فقد انتشرت مهن مثل الحدادة، والنجارة، وصناعة الفخار، حيث كان الحداد يصنع الأدوات الزراعية والأسلحة البسيطة، وكان النجار يصنع الأبواب والنوافذ والمجالس، بينما كان الفخار يُستخدم لحفظ الماء والغذاء. كذلك ازدهرت مهن مثل الدباغة وصناعة العطور، التي كانت تعتمد على النباتات المحلية والمواد المستوردة من الهند واليمن.
6. رمزية الحرف في الثقافة
لم تكن هذه الحِرَف مجرد وسيلة للعيش، بل كانت جزءًا من التقاليد والهوية، إذ ارتبطت بالمناسبات، والأعياد، والاحتفالات الشعبية. كما أصبحت كثير من هذه الحِرَف عنصرًا من عناصر التراث الثقافي غير المادي الذي تُبذل الجهود اليوم للحفاظ عليه عبر المهرجانات، والمتاحف، وبرامج التعليم التراثي.
لقد عكست الحِرَف التقليدية والمهن القديمة الإماراتية روح الاجتهاد والابتكار لدى أبناء الوطن في مواجهة بيئة قاسية بموارد محدودة. كما شكّلت أساسًا متينًا للتطور المهني والاقتصادي الحديث في دولة الإمارات، مما يجعل من دراسة هذا الجانب من التراث مفتاحًا لفهم الجذور العميقة لهوية الإمارات الوطنية، ووسيلة فاعلة في ربط الأجيال المعاصرة بماضيها العريق.
3. العمارة التقليدية الإماراتية
تمثّل العمارة التقليدية في الإمارات العربية المتحدة مرآة صادقة لأسلوب الحياة القديم، إذ عكست بساطة العيش، وعبقرية الإنسان الإماراتي في التكيّف مع البيئة القاسية، سواء في الصحراء أو الساحل أو الواحة أو الجبل. وقد تنوّعت أساليب البناء تبعًا للعوامل المناخية والجغرافية والاجتماعية، مما أفرز تراثًا معماريًا غنيًا بالحلول الذكية، والرموز الثقافية، والمعاني الجمالية.
1. مكونات البيئة وتأثيرها على البناء
تأثرت العمارة التقليدية الإماراتية تأثرًا مباشرًا بالمناخ الحار والجاف، فابتكر الإنسان الإماراتي أساليب معمارية تضمن التهوية والتبريد الطبيعي. وقد استخدم في البناء مواد محلية متوفرة مثل سعف النخيل (الخوص)، وجذوع النخل (الجندل)، والطين والحجارة المرجانية، وفقًا للمنطقة الجغرافية. فكان البناء في الصحراء يعتمد على البساطة والمرونة، بينما شهدت المناطق الساحلية والواحات نماذج أكثر تنوعًا وتعقيدًا.
2. بيت العريش – البساطة والمرونة
يُعد بيت العريش من أبرز أشكال العمارة التقليدية في البيئة الساحلية والصحراوية، وهو يُبنى من سعف النخيل المربوط بالحبال المصنوعة من ليف النخل، ويُستخدم فيه الجندل لتثبيت الجدران والسقف. يتميز هذا البيت بسهولة التركيب والفك، مما يناسب حياة التنقل، ويوفر ظلالًا جيدة وتهوية ملائمة. وغالبًا ما تكون الأرضيات مفروشة بالحصير (اليريب) المصنوع من الخوص.
3. البيوت الطينية في الواحات
في المناطق الزراعية مثل العين وليوا، استُخدم الطين مادةً أساسية لبناء المنازل، حيث تُخلط التربة بالماء والتبن وتُترك لتجف، ثم تُستخدم في إنشاء الجدران السميكة التي تحفظ البرودة داخل المنزل. وغالبًا ما تكون هذه البيوت متعددة الغرف، وتتوزع حول فناء داخلي مكشوف يسمى "الحوش"، يضم في بعض الأحيان نخيلًا أو بئر ماء. وتعكس هذه العمارة طابعًا اجتماعيًا يقوم على التواصل الأسري والتعاون المجتمعي.
4. الأبراج والقلعات الدفاعية
أنشأ الإماراتيون عددًا من الأبراج الدفاعية والقلاع لحماية المناطق السكنية والموارد الطبيعية. ومن أشهر هذه المعالم: قلعة الجاهلي في العين وقلعة الفهيدي في دبي. بُنيت هذه القلاع من الطين المدعّم بالحجارة، وزُوّدت بفتحات مراقبة وأبراج للرصد، وتُظهر مهارة معمارية عالية تجمع بين الجمال الوظيفي والتحصين العسكري.
5. نظام البراجيل – التكييف التقليدي
من أبرز ملامح العمارة التقليدية، وخاصة في البيوت الساحلية، ما يُعرف بـ"البرجيل"، وهو برج هوائي يُستخدم لالتقاط الرياح وتوجيهها إلى داخل المنزل، مما يوفر التهوية والتبريد في فصل الصيف. وقد اعتُبر البرجيل ابتكارًا هندسيًا بيئيًا سابقًا لعصره، ويعكس فكرًا معماريًا متقدمًا في بيئة شحيحة الموارد.
6. الزخارف والتفاصيل الجمالية
رغم بساطة البناء، فإن العمارة الإماراتية التقليدية لم تخلُ من اللمسات الجمالية، فقد زُيّنت الأبواب والنوافذ بزخارف خشبية يدوية، ونُقشت بعض الجدران برسوم نباتية وهندسية بسيطة. وكانت هذه الزخارف تعبّر عن الذوق المحلي، وتعكس أحيانًا المكانة الاجتماعية أو المناسبة الدينية.
7. البعد الاجتماعي للعمارة
تميّزت البيوت التقليدية الإماراتية بتصميم يعزز الخصوصية، إذ تُوجّه الفتحات والنوافذ نحو الداخل، وتُقسّم البيوت إلى أقسام للرجال والنساء. كما احتوت على المجالس، وهي أماكن للضيافة والتشاور، تُعبّر عن القيم الاجتماعية كالكرم، والتعاون، والانفتاح المجتمعي.
العمارة التقليدية الإماراتية ليست مجرد أبنية قديمة، بل هي سجل حيّ يُجسّد تفاعل الإنسان مع بيئته، وقدرته على الإبداع والتأقلم. كما أنها تُعبّر عن روح الجماعة، وعمق الانتماء، وعبقرية محلية تستحق الإحياء والاهتمام. واليوم، تُبذل جهود كبيرة في حفظ هذه العمارة، عبر الترميم، والتعليم، وإعادة دمجها في الحياة الثقافية المعاصرة، لتظل شاهدة على أصالة الهوية الإماراتية وعراقة تراثها.
4. العادات والتقاليد الإماراتية
تمثل العادات والتقاليد الإماراتية أحد أعمدة التراث الثقافي غير المادي، وهي تعكس منظومة القيم والمعتقدات والسلوكيات التي تَشكّلت عبر قرون من التفاعل مع البيئة الطبيعية والاجتماعية والدينية. وقد لعبت هذه التقاليد دورًا محوريًا في تشكيل هوية المجتمع الإماراتي، وحفظ تماسكه، ونقل ثقافته عبر الأجيال، سواء في المناسبات اليومية أو الاحتفالات والمواسم الكبرى.
1. القيم الأساسية في المجتمع التقليدي
يرتكز المجتمع الإماراتي على مجموعة من القيم العريقة مثل الكرم، والاحترام، والتكافل الاجتماعي، والضيافة، والتسامح. وتُعد هذه القيم جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد والجماعات، وتنعكس في السلوك العام، وفي العلاقات الاجتماعية، وفي التعامل مع الضيف أو الغريب، حيث يُعد إكرام الضيف من أعظم صور الفخر.
2. عادات الضيافة والكرم
الضيافة الإماراتية ليست مجرد تقليد بل هي مبدأ متأصل في الوعي الجمعي. تبدأ مراسم الضيافة بتقديم القهوة العربية مع التمر، وتُقدّم بطريقة محددة تعكس الاحترام والتقدير، إذ تُسكب القهوة في الفنجان الأيمن وتُقدّم باليد اليمنى، وعادةً ما تُشرب ثلاث مرات مع عبارات محددة. كما يشكل المجلس ملتقى اجتماعيًا تُناقَش فيه أمور الحياة اليومية والقضايا المجتمعية، وهو يُجسّد روح التواصل والانتماء.
3. المناسبات والأعياد
تُعد المناسبات الدينية والوطنية من أبرز محطات التقاليد الإماراتية. ففي شهر رمضان، تكثر اللقاءات العائلية، وتقام موائد الإفطار الجماعي، وتُحيى ليالي رمضان بأجواء روحانية واحتفالية. أما عيد الفطر وعيد الأضحى، فلهما طقوس خاصة تشمل صلاة العيد، وتبادل الزيارات، وتوزيع العيديات على الأطفال، وتحضير الأكلات الشعبية مثل الهريس والثريد.
كما تحظى الأعراس التقليدية بمكانة كبيرة، وتتميز بمراسم طويلة تشمل الخطبة، و"الملجة" (العقد الشرعي)، وليلة الحناء، وحفلات الزفاف التي تُزيَّن فيها البيوت وتُقام الرقصات والأهازيج الشعبية مثل العيالة والرزفة.
4. اللباس التقليدي
يشكّل اللباس التقليدي أحد رموز الهوية الإماراتية. فالرجال يرتدون الكندورة البيضاء مع الغترة والعقال، والنساء يرتدين العباءة السوداء والشيلة، وتُزيَّن ملابسهنّ أحيانًا بالزخارف اليدوية مثل "التلي". ويتميّز اللباس الإماراتي بالاحتشام، والراحة، والرمزية الثقافية التي تعبر عن الانتماء والفخر بالهوية الوطنية.
5. العلاقات الأسرية والمجتمعية
تقوم الأسرة الإماراتية التقليدية على الترابط والتضامن، حيث يقطن أفراد العائلة الممتدة في منطقة واحدة، وتتعاون الأسر في المناسبات والأعمال. ويحظى كبار السن بمكانة عالية، ويُستشارون في القرارات المهمة. كما يلعب الجار دورًا محوريًا في الحياة الاجتماعية، وتُحفظ له حقوق متعددة من الاحترام والمساعدة.
6.عادات العمل والتعاون
في الماضي، اعتمدت المجتمعات الإماراتية على العمل الجماعي في الغوص، والزراعة، والبناء، والرعي. فكان التعاون (الفزعة) قيمة جوهرية، يظهر فيها التكاتف بين الأفراد لمواجهة الصعوبات. كما انتشرت عادات تبادل المنتجات، ومقايضة السلع، ومشاركة الموارد في أوقات الأزمات.
7. الحِكمة الشعبية والأمثال
تزخر الثقافة الإماراتية بكثير من الأمثال الشعبية التي تُعبّر عن الحكمة المتوارثة، والوعي الجمعي، والروح العملية. مثلًا: "اللي ما يعرفك ما يثمنك"، أو "اللي ما يطول العنب، حامضٍ عنه يقول". كما انتشرت القصص الشعبية والحكايات الشفوية التي تُروى في المجالس لتعليم القيم وترسيخ الخبرات.
العادات والتقاليد الإماراتية ليست فقط ممارسة اجتماعية، بل هي ركيزة ثقافية متجذّرة تحفظ روح المجتمع، وتمنحه الاستمرارية والهوية. وبرغم التحديث السريع الذي شهدته دولة الإمارات، لا تزال هذه العادات حاضرة في حياة الناس، سواء في المظهر أو الجوهر، مدعومة بمؤسسات تُعنى بصون التراث وتعليمه للأجيال. وهكذا يظل التراث الإماراتي جسرًا يربط بين الماضي العريق والحاضر المزدهر.
5. الفنون الشعبية الإماراتية
تشكل الفنون الشعبية الإماراتية جزءًا أصيلًا من التراث الثقافي غير المادي، وقد لعبت دورًا محوريًا في التعبير عن مشاعر الإنسان الإماراتي، وتجسيد حياته اليومية، ومناسباته الاجتماعية والدينية، كما عكست هذه الفنون بيئة البلاد الصحراوية والبحرية والزراعية، بما تحمله من رموز ومعانٍ ثقافية عميقة. وتتنوع هذه الفنون بين الرقصات، والأهازيج، والقصائد، والحكايات، والألعاب الشعبية، التي شكلت هوية فنية متفرّدة للإمارات.
1. فن العيالة – رقصة السيوف وهيبة الانتماء
يُعد فن العيالة من أشهر الفنون الشعبية في الإمارات، وهو فن جماعي يُمارس في المناسبات الوطنية والأعراس والاحتفالات الرسمية. تتكوّن الفرقة من صفّين متقابلين من الرجال يحملون العصيّ (السيوف الرمزية)، ويتمايلون بانسجام على إيقاع الطبول والأهازيج، بينما تتوسطهم فرقة الطبول التي تُضفي إيقاعًا حماسيًا. ويرمز هذا الفن إلى الشجاعة، والتماسك القبلي، والانتماء للأرض.
2. فن اليولة – استعراض المهارة والتراث
اليولة فن استعراضي شبابي تطوّر من الفنون القديمة، ويقوم على استعراض قدرة المؤدي على إدارة السلاح (عادةً البندقية أو العصا) بطريقة بهلوانية، مع التمايل المتناغم مع الإيقاع. وتُقام له مسابقات على مستوى الدولة مثل "بطولة فزاع لليولة"، ما أتاح له حضورًا شعبيًا واسعًا بين الأجيال الجديدة.
3. الفنون البحرية – أنغام البحر وحكايات الغوص
عُرفت المجتمعات الساحلية في الإمارات بفنونها المرتبطة بالبحر، مثل:
- فن النهام: وهو غناء يؤديه "النهام" على ظهر السفينة لرفع معنويات البحارة أثناء الغوص أو رفع الشراع، ويُرافقه الإيقاع عبر التصفيق أو الطبول الصغيرة. يحمل هذا الفن أهازيج تتحدث عن الشوق، والصبر، والرزق، والمخاطر.
- فن الشلة: يُؤدى من قبل البحارة بشكل جماعي باستخدام ألحان متكررة تتناسب مع حركات العمل كالسحب أو رفع الشباك.
هذه الفنون لم تكن مجرد ترفيه، بل كانت وسيلة لزرع الأمل والتماسك بين البحارة في وجه المخاطر البحرية.
4. الحكايات الشعبية والسير التراثية
في ليالي الشتاء والمجالس العائلية، كان الرواة الشعبيون يسردون حكايات مشوقة مستمدة من الأساطير أو التجارب الواقعية، مثل قصص "جلفار"، و"أم الدويس"، و"بو درياه"، التي حملت عبرًا وحكمًا مغلّفة بالخيال. هذه الحكايات شكلت رصيدًا من الذاكرة الجماعية، وعززت التواصل الثقافي بين الأجيال.
5. الشعر النبطي والقصيدة الشعبية
الشعر النبطي هو ديوان الحياة الإماراتية، وقد عُرف به عدد كبير من الشعراء، مثل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي جمع بين الحكمة والشاعرية. وتتنوع مواضيع الشعر النبطي بين الفخر، والوصف، والغزل، والحنين، وتُلقى هذه القصائد في المجالس، والمسابقات، والاحتفالات الوطنية، لتؤكد أن الشعر الشعبي لا يزال حيًا في وجدان المجتمع.
6. الفنون النسائية الشعبية
للمرأة الإماراتية دور مهم في حفظ الفنون الشعبية، ومن أبرزها:
- فن الترزيف والتلي: وهو غناء جماعي تؤديه النساء خلال مناسبات الزواج أو الولادة، يترافق مع الحناء والتزيين.
- أغاني المهد: وتغنيها الأم لطفلها عند النوم، حاملةً معاني الحنان والطمأنينة.
كما أبدعت النساء في الحرف الفنية مثل التطريز، والنسيج، وصناعة الحلي التقليدية.
7.الألعاب الشعبية
ارتبطت الفنون أيضًا بالألعاب الشعبية التي مارسها الأطفال مثل "الغميمة"، "الصقلة"، "الحيلة"، "المريحانة"، والتي جمعت بين الحركة والغناء، وغرست قيم التعاون، والذكاء، والمرح الجماعي.
الفنون الشعبية الإماراتية ليست مجرد مظاهر احتفالية، بل هي لغة حية تنبض بعواطف الإنسان الإماراتي، وتحمل رسائل الماضي إلى الحاضر. وقد لعبت دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية، ونقل الخبرات والتجارب من جيل إلى جيل. واليوم، تُبذل جهود مؤسسية لإحياء هذه الفنون، وتقديمها بأساليب عصرية تحفظ مضمونها الأصيل، وتضمن استمرارها كجزء حيوي من التراث الوطني لدولة الإمارات.
6. الموروث الشفهي الإماراتية
يعد الموروث الشفهي أحد أعمدة التراث الثقافي غير المادي في دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ مثّل وسيلة حيوية لنقل المعارف، والقيم، والحكايات، والمهارات من جيل إلى جيل قبل انتشار التعليم النظامي ووسائل التوثيق الحديثة. ومن خلال هذا الموروث، حافظ المجتمع الإماراتي على هويته، وصاغ رؤيته للعالم، وعبّر عن واقعه، في بيئة قاسية تتطلّب التآزر والصبر والحكمة.
1. الحكايات الشعبية – ذاكرة الخيال والحكمة
الحكايات الشعبية الإماراتية، التي كانت تُروى في المجالس والبيوت على ضوء الفوانيس، شكلت عالمًا سرديًا غنيًا. امتزج فيها الواقع بالخيال، والأسطورة بالواقع الاجتماعي، وكان هدفها ترفيهيًا وتعليميًا في آنٍ واحد. من أشهر هذه الحكايات:
- حكاية أم الدويس: امرأة جميلة تُغري الرجال ثم تؤذيهم، ترمز إلى خطر الانسياق وراء المظاهر.
- بو درياه: كائن مخيف يعيش في البحر، يستخدم لتحذير الأطفال من السباحة بعيدًا أو مغادرة المنازل ليلًا.
تُظهر هذه الحكايات القيم الأخلاقية، والخوف من المجهول، وطرق المجتمع في التربية والإرشاد.
2. الأمثال الشعبية – مرآة الحكمة الشعبية
الأمثال الشعبية الإماراتية تشكّل خلاصة تجارب طويلة، وتُقال في المواقف اليومية للدلالة على معنى أو مغزى أخلاقي أو اجتماعي. من الأمثال الشائعة:
- "اللي ما يعرف الصقر يشويه": للدلالة على جهل الناس بقيمة الأشياء.
- "لو ما طاح الجمل ما كثرت سكاكينه": ويُقال عند المصائب حين يتكاثر اللوم.
تُعتبر الأمثال مصدرًا لغويًا وثقافيًا بالغ الأهمية، حيث تجمع بين البلاغة، والفكاهة، والتوجيه.
3. الشعر النبطي – سجل وجداني وحس فني
الشعر النبطي هو ديوان العرب في الخليج، وكان وسيلة للتعبير عن الفرح، والحزن، والغزل، والمدح، والحكمة، والوصف. وقد امتاز الشعر الإماراتي بقوة اللغة، وثراء المعاني، وغزارة الصور المستمدة من البيئة المحلية.
تغنّى الشعراء بالبحر، والصحراء، والمحبة، والكرم، وغالبًا ما كان الشعر يُلقى شفهيًا في المجالس، أو يُتداول عن طريق الحفظ. وبرز شعراء كبار مثل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي عبّر بشعره عن فلسفة وطنية وروحية عالية.
4. الأهازيج والأغاني الشفوية
الأهازيج والأغاني الشفوية ارتبطت بمناسبات الغوص، والزواج، والولادة، والعمل، وكانت تُؤدى جماعيًا لترسيخ الروح المعنوية:
- أهازيج الغوص: تعبر عن الشوق، والرزق، والخوف من البحر.
- أغاني الأعراس: مثل "الونة" و"الرزيف"، تُرددها النساء لتزيين المشهد بالبهجة.
هذه الفنون الغنائية كانت أيضًا وسيلة لحفظ القصص، والتجارب، والصراعات الإنسانية، ما يجعلها أرشيفًا شفهيًا حيًا.
5. الأدعية والممارسات الشفوية الدينية
احتل الدين الإسلامي مكانة راسخة في حياة المجتمع الإماراتي، وبرز ذلك من خلال الأدعية التي كانت تُتداول شفهيًا في كل موقف: السفر، المرض، الزواج، الولادة، وغيرها. كما كانت هناك أدعية شعبية متوارثة، تمزج بين الطابع الديني والثقافة المحلية، وتُظهر حسًّا عميقًا بالإيمان والتضرع.
6. التوجيهات والنصائح الشفوية
كان الشيوخ، والجدّات، وكبار السن، ينقلون تجاربهم وخبراتهم من خلال الوصايا الشفوية، التي ترسخ القيم مثل الصدق، والشجاعة، وصون العرض، والكرم، وحب الوطن. وكانت هذه التوجيهات بمنزلة دستور أخلاقي غير مكتوب، يُشكّل شخصية الفرد منذ الطفولة.
7. الرواية الشفهية للتاريخ والأنساب
في غياب التوثيق المكتوب، اعتمدت القبائل الإماراتية على الرواية الشفهية لتسجيل أنسابها، وأمجادها، وحروبها، ومعاهداتها، مما أسهم في بناء ذاكرة تاريخية اجتماعية تتوارثها الأجيال، رغم التحديات الزمانية والمكانية.
الموروث الشفهي الإماراتي ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو مرآة تنعكس فيها الروح الجمعية للمجتمع، ومشاعره، وخبراته، وصراعاته، وأحلامه. إنه سجل حيّ غير مكتوب لحياة الإماراتيين، وحاضنة للغة، والقيم، والهوية. واليوم، تعمل المؤسسات الثقافية في الإمارات على جمع هذا الموروث، وتوثيقه، وتحويله إلى مادة تربوية وثقافية تحفظ الذاكرة الوطنية، وتؤصل لثقافة الاعتزاز بالتراث.
7. المطبخ الإماراتي التقليدي الإماراتية
يعتبر المطبخ الإماراتي التقليدي جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي للدولة، فهو يجمع بين الهوية، والضيافة، وتنوع البيئات الطبيعية في البلاد، سواء الصحراوية أو الساحلية أو الجبلية. تتجلى في هذا المطبخ حكمة الأجداد في استغلال الموارد المتاحة، وقدرتهم على الإبداع في تحضير أطباق بسيطة المكونات، غنية بالمذاق، وعميقة الدلالة.
أولًا: السمات العامة للمطبخ الإماراتي
يتّسم المطبخ الإماراتي بعدّة سمات رئيسية:
- الاعتماد على الموارد المحلية مثل الأرز، التمر، الأسماك، اللحوم، الحليب، والتوابل.
- الطابع الجماعي في الطهي والتقديم، خصوصًا في المناسبات الاجتماعية والدينية.
- الارتباط الوثيق بالمناسبات، حيث تختلف الأطباق في رمضان، والأعياد، وحفلات الزواج، والضيافة العامة.
ثانيًا: المكونات الأساسية
يعتمد المطبخ الإماراتي على مكونات محددة، منها:
- الأرز: أساس معظم الأطباق الرئيسية مثل "الهريس" و"المجبوس".
- التمر: يُستهلك كفاكهة أو يدخل في الحلويات والمشروبات.
- الأسماك: مثل الكنعد، والهامور، والسبيطي.
- اللحوم: خاصة لحم الغنم والجِمال في المناسبات.
- التوابل: مثل الزعفران، الهيل، القرفة، القرنفل، الكركم، التي تمنح النكهة المميزة.
ثالثًا: أبرز الأطباق الإماراتية التقليدية
1. الهريس
يُعد من أعرق الأطباق، يُطهى من القمح المهروس مع اللحم أو الدجاج في قدر ضخم لساعات، ويُقدَّم غالبًا في شهر رمضان والأعراس.
2. المجبوس (المكبوس)
طبق من الأرز يُطهى مع اللحم أو الدجاج أو السمك، وتُضاف إليه توابل مميزة مع الليمون المجفف المعروف بـ "اللومي".
3. الثريد
يُحضّر من خبز الرقاق المقطع والمغموس بمرق اللحم والخضروات، ويُعد من الأطباق المحببة في رمضان.
4. البلاليط
طبق من الشعيرية المحلاة بالسكر والتوابل، يُقدَّم مع البيض المقلي، ويُعد من وجبات الإفطار التقليدية.
5. الجشيد
طبق شعبي يُحضّر من سمك القرش المسلوق والمفتت، يُخلط مع البصل والبهارات، ويُؤكل غالبًا مع الأرز أو الخبز.
6. اللقيمات
حلوى رمضانية تقليدية تُحضّر من عجينة خفيفة تُقلى بالزيت وتُغطى بدبس التمر أو العسل.
7. الخبيص
طبق حلو مكوَّن من الدقيق المحمّص مع السمن والسكر والهيل، يُقدَّم في المناسبات.
رابعًا: الطقوس والعادات المرتبطة بالطعام
يشكّل الطعام في المجتمع الإماراتي جزءًا من نسيج العلاقات الاجتماعية، فالضيافة تُعد من أبرز قيم البدو والبحارة، ويتقدّم القهوة والتمر دائمًا أي مجلس. وكان من العيب أن يُقدم الطعام دون دعوة أو إكرام، كما اعتاد الناس تناول الطعام جماعيًا من نفس الطبق، وهو رمز للوحدة والمساواة.
خامسًا: الطعام في المناسبات والأعياد
- في رمضان: تكثر أطباق الهريس، والثريد، واللقيمات.
- في الأعراس: تُحضّر ولائم ضخمة من المجبوس واللحم المشوي.
- في العزاء: يتم تقديم أطعمة بسيطة تقديرًا للموقف، مع بقاء روح الكرم.
- في الرحلات البحرية أو الصحراوية: يتم الاعتماد على الأكلات سهلة الحفظ مثل التمر، والسمك المجفف (المالح).
سادسًا: الحفاظ على المطبخ التراثي في العصر الحديث
رغم تغيّر أنماط الحياة ودخول المأكولات العالمية، فإن المطبخ الإماراتي ظل حاضرًا بقوة، لا سيما من خلال:
- الفعاليات والمهرجانات التراثية التي تعيد تقديم الأكلات التقليدية.
- المطاعم المتخصصة في الطعام الإماراتي.
- برامج الطهي والإعلام التي تُروّج للهوية الغذائية المحلية.
- إدماج الأكلات التراثية في المناهج التعليمية والفعاليات المدرسية.
المطبخ الإماراتي التقليدي هو أكثر من مجرد طعام، بل هو رواية متكاملة عن الحياة، والكرم، والبيئة، والهوية. كل طبق يحكي قصة عن صبر الأجداد، وحكمتهم في استثمار مواردهم القليلة ليخلقوا منها وجبات غنية بالمذاق والرمز. وفي ظل التحولات الحديثة، تبقى هذه المأكولات مرآة أصيلة للثقافة الإماراتية، وركيزة للحفاظ على الهوية الوطنية.
8. الحفاظ على التراث الإماراتية في العصر الحديث
يشكّل التراث الإماراتي ركيزة أساسية في بناء الهوية الوطنية، ومرآة تُجسّد قيم الأجداد وتقاليدهم، وتربط الحاضر بالماضي. ومع تسارع وتيرة التحوّلات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في دولة الإمارات، برزت الحاجة المُلِحّة إلى الحفاظ على التراث الإماراتي وتوثيقه، ليس فقط كواجب وطني، بل كضرورة ثقافية وإنسانية لضمان استمرارية الروح الإماراتية الأصيلة في ظل الحداثة.
أولًا: مفهوم الحفاظ على التراث
لا يقتصر الحفاظ على التراث على حماية المباني القديمة أو الحِرَف التقليدية فقط، بل يمتد ليشمل:
- حماية الموروث الشفهي من القصص والأمثال والأهازيج.
- صون اللغة الإماراتية المحلية من الاندثار.
- توثيق الطقوس والعادات الاجتماعية مثل الأعراس والضيافة.
- تسجيل الرقصات والأهازيج والفنون الشعبية.
- حماية البيئة الطبيعية التي شكّلت هذا التراث.
ثانيًا: جهود الدولة في صون التراث
أدركت القيادة الإماراتية منذ وقت مبكر أهمية حفظ التراث، فتم إطلاق عدد من المبادرات والهيئات التي تهدف إلى تأصيل التراث وربطه بالوجدان الشعبي، ومن أبرز هذه الجهود:
1. تأسيس هيئة أبوظبي للثقافة والتراث وهيئة الشارقة للوثائق والأرشيف، وجهات أخرى تعنى بجمع وتوثيق التراث.
2. إدراج عناصر من التراث في قوائم اليونسكو للتراث غير المادي مثل "الصقارة"، و"العيّالة"، و"القهوة العربية"، و"المجالس".
3. تنظيم المهرجانات التراثية السنوية مثل مهرجان قصر الحصن، وأيام الشارقة التراثية، ومهرجان الظفرة للتراث.
4. دعم الحرفيين والفنانين الشعبيين وتوفير منصات عرض دائمة لهم في الأسواق والمراكز الثقافية.
5. إدراج الثقافة والتراث في المناهج الدراسية لبناء جيل وطني وواعٍ بجذوره.
ثالثًا: دور المجتمع في الحفاظ على التراث
لا تقتصر مسؤولية حفظ التراث على الدولة فقط، بل يُعد المجتمع شريكًا فاعلًا في هذه المهمة من خلال:
- نقل القيم والتقاليد شفهيًا بين الأجيال، لا سيما داخل الأسرة.
- ممارسة الفنون الشعبية كالعَيّالة والرزيف في المناسبات.
- تشجيع الأبناء على تعلم الحرف التقليدية والمشاركة في الفعاليات التراثية.
- اقتناء المأكولات والأزياء والمفروشات الإماراتية التقليدية في الحياة اليومية.
رابعًا: التراث في الإعلام والفضاء الرقمي
استغلّت الإمارات قوة الإعلام الحديث والفضاء الرقمي في الترويج لتراثها، وذلك من خلال:
- إنتاج برامج تلفزيونية ومسلسلات تاريخية تُبرز حياة الأجداد.
- دعم المدونات والمبادرات الإلكترونية المهتمة بالتراث.
- نشر القصص الشعبية والحِكم والمفردات باللهجة الإماراتية عبر وسائل التواصل.
- إطلاق منصات رقمية لتوثيق التراث المرئي والمسموع.
خامسًا: تحديات الحفاظ على التراث
رغم الجهود الكبيرة، ما زالت عملية صون التراث تواجه تحديات عدة، أبرزها:
- الغزو الثقافي العالمي وتنامي الثقافة الاستهلاكية الحديثة.
- ضعف إقبال الجيل الجديد أحيانًا على تعلم الحِرف والفنون الشعبية.
- تحوّلات الأنماط العمرانية والاجتماعية التي أضعفت ممارسة بعض العادات.
- اندثار بعض اللهجات والمفردات المحلية بسبب سيطرة اللغة العالمية في التعليم والإعلام.
سادسًا: نحو تراث مستدام
يتمثل التحدي الأكبر في تحقيق التوازن بين الحداثة والهوية التراثية، بحيث لا يبقى التراث محصورًا في المتاحف بل يعيش في تفاصيل الحياة اليومية. ويتطلب ذلك:
- تشجيع دمج العناصر التراثية في العمارة الحديثة.
- تطوير برامج تعليمية تفاعلية حول التراث في المدارس.
- تحفيز الاستثمار في المنتجات التقليدية وتحويلها إلى مشاريع اقتصادية.
- ربط الهوية الوطنية بالتراث في الخطاب الإعلامي والسياسي.
إن الحفاظ على التراث الإماراتي هو رسالة وطنية ومسؤولية مجتمعية تُجسّد احترام الماضي واستشراف المستقبل. وبين كثبان الصحراء، ونخلات الواحات، وأمواج الخليج، يعيش تراث غني نابض بالقصص والمعاني، يروي للأجيال كيف كان الأجداد يصنعون الحياة بالبساطة والفخر. ومن خلال الوعي المؤسسي والاهتمام الشعبي، تواصل الإمارات كتابة حكايتها التراثية بحروف من ذهب في دفاتر الحضارة الحديثة.
خاتمة
يمثل التراث الإماراتي القديم منظومة متكاملة من القيم والعادات والممارسات التي شكّلت هوية الشعب الإماراتي عبر العصور، وجعلت من هذه الأرض الطيبة موطنًا للأصالة والكرامة والعطاء. إنه ليس مجرد ذكريات ماضية أو مظاهر شكلية، بل هو روحٌ حيّة تنبض في تفاصيل الحياة اليومية، وتعبّر عن التفاعل العميق بين الإنسان والبيئة، بين الصحراء والبحر، بين الحاضر والماضي.
لقد أظهر البحث كيف كان للبيئة الجغرافية، من صحراء شاسعة وبحر كريم، دور جوهري في تشكيل نمط الحياة الإماراتية، وظهور حِرَف ومهن تقليدية كالغوص، وصيد اللؤلؤ، وصناعة السفن، والسدو. كما ألقى الضوء على العمارة التقليدية التي عكست الذكاء المحلي في التكيّف مع المناخ، وعبّرت عن البُعد الاجتماعي والجمالي في آن واحد. أما العادات والتقاليد، فهي المرآة الأصدق لثقافة المجتمع، حيث يظهر الاحترام، والضيافة، والتلاحم الأسري، والقيم العربية الأصيلة.
واستعرضنا في ثنايا البحث أيضًا الفنون الشعبية الإماراتية كوسيلة للتعبير عن الفرح والانتماء، والموروث الشفهي بوصفه خزانًا حيًا للمعرفة الجماعية، والمطبخ الإماراتي كنافذة على البساطة والكرم والتنوّع.
غير أن الحفاظ على هذا التراث في وجه العولمة والتغيّرات الاجتماعية أصبح تحديًا حقيقيًا، يتطلب تعاونًا بين الدولة والمجتمع، وجهودًا مؤسسية وشعبية لضمان بقاء هذه الكنوز حيّة في نفوس الأجيال المقبلة. لقد خطت الإمارات خطوات رائدة في صون تراثها وتوثيقه، لكن الطريق إلى تراثٍ مستدام يتطلّب استمرار التوعية، والدمج الذكي بين الحداثة والأصالة.
في النهاية، يمكن القول إن التراث الإماراتي هو مرآة تعكس جوهر الشخصية الإماراتية، وجذور راسخة في عمق التاريخ، يجب أن تُروى وتُحمى وتُعاش، لا بوصفها ماضيًا منتهيًا، بل حاضرًا مُشرّفًا ومستقبلًا متجدّدًا.
مراجع
1. التراث الشعبي في الإمارات
– المؤلف: د. راشد أحمد المزروعي
– الناشر: مركز زايد للتراث والتاريخ
– يتناول الكتاب مظاهر الحياة التقليدية في الإمارات من الحِرَف والعادات والمناسبات والفنون الشعبية، ويوثقها بمنهجية علمية.
2. موسوعة التراث الشعبي في دولة الإمارات العربية المتحدة
– المؤلف: عبد العزيز المسلم
– الناشر: معهد الشارقة للتراث
– موسوعة شاملة تغطي الجوانب المادية وغير المادية من التراث، بما في ذلك الأزياء، العمارة، الأمثال، الحكايات، والممارسات الاجتماعية.
3. العمارة التقليدية في دولة الإمارات العربية المتحدة
– المؤلف: د. يوسف محمد نور
– الناشر: دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة
– مرجع تفصيلي حول الأساليب المعمارية القديمة في الإمارات، وطرق البناء التقليدية المتأثرة بالبيئة والمناخ.
4. الأغاني الشعبية الإماراتية
– المؤلف: د. فاطمة الصايغ
– الناشر: مؤسسة الثقافة والفنون بأبوظبي
– يعرض هذا الكتاب تحليلًا ثقافيًا للأهازيج والأغاني الشعبية التي كانت تُؤدى في المناسبات، ويكشف عن دورها في حفظ الموروث الشفهي.
5. مائدة من تراث الإمارات: المأكولات الشعبية ودلالاتها الثقافية
– المؤلف: موزة عبيد المهيري
– الناشر: وزارة الثقافة وتنمية المعرفة – الإمارات
– يقدم هذا المرجع عرضًا غنيًا للمطبخ الإماراتي التقليدي من حيث المكونات وأساليب التحضير والعلاقة بين الغذاء والعادات الاجتماعية.
مواقع الكرتونية
1.مركز زايد للتراث والتاريخ
يوفر المركز العديد من الموارد المتعلقة بالتراث الإماراتي من خلال مقالات وأبحاث في مجالات متنوعة مثل العادات والتقاليد والعمارة التقليدية.
رابط الموقع: zayedcenter.ac.ae
2.الشارقة للتراث
يقدم الموقع العديد من المعلومات والأنشطة المتعلقة بالتراث الثقافي، ويشمل برامج ثقافية ومهرجانات تراثية، بالإضافة إلى أبحاث ودراسات عن التراث الإماراتي.
رابط الموقع: sharjahheritage.ae
3.هيئة أبوظبي للثقافة والتراث
موقع يحتوي على العديد من المبادرات الثقافية التي تركز على الحفاظ على التراث الإماراتي، بالإضافة إلى مشاريع ومهرجانات تتعلق بالتراث.
رابط الموقع: adach.ae
4.موقع معهد الشارقة للتراث
يركز الموقع على الحفاظ على التراث الشعبي والثقافة المحلية من خلال دراسات معمقة ومشاريع توثيقية حول التراث الإماراتي.
رابط الموقع: culture.gov.ae
5.موقع متحف دبي
يحتوي الموقع على معلومات غنية حول التراث الإماراتي من خلال مقتنيات المتحف التي تروي تاريخ الإمارات، بالإضافة إلى برامج تعليمية لزوار المتحف. رابط الموقع: dubaiculture.gov.ae
اترك تعليق جميل يظهر رقي صاحبه