📁 آخرالمقالات

التراث الثقافي العالمي بين التوثيق والتحديات المعاصر

التراث الثقافي العالمي

التراث الثقافي العالمي هو مصطلح يشير الى الموروث الانساني الذي يمتلك قيمة استثنائية على المستوى العالمي، ويشمل المعالم التاريخية والمباني الاثرية والمواقع الدينية القديمة، اضافة الى الفنون الشعبية والعادات والتقاليد التي تعبر عن هوية الشعوب وتاريخها. وقد تبنت منظمة اليونسكو هذا المفهوم في اتفاقية عام 1972 لحماية التراث الثقافي والطبيعي، حيث وضعت معايير دقيقة لتسجيل المواقع ضمن قائمة التراث العالمي، مثل التميز المعماري او الرمزية الحضارية او الاهمية التاريخية.

التراث الثقافي العالمي بين التوثيق والتحديات المعاصر

يسهم التراث الثقافي العالمي في بناء جسور التفاهم بين الثقافات، كما يعزز الانتماء والهوية الوطنية لدى المجتمعات. ومع تزايد المخاطر التي تهدد هذا التراث، من حروب وتغيرات مناخية واهمال، اصبح من الضروري تكثيف الجهود لحمايته من خلال التوثيق والترميم والتعليم.

تقوم منظمة اليونسكو بدور رئيسي في هذا المجال، من خلال الدعم الفني والمالي للدول، والتنسيق بين الخبراء، وتدريب الكوادر المحلية على تقنيات الحفظ. كما ان اشراك المجتمعات المحلية في جهود الحماية يمثل عنصرا اساسيا لضمان استدامة التراث على المدى الطويل.

ان الحفاظ على التراث الثقافي العالمي هو مسؤولية جماعية تتطلب وعيا دوليا ومشاركة فعالة من الجميع.

 1. مفهوم التراث الثقافي العالمي

التراث الثقافي العالمي هو مجموع المعالم والمواقع والاعمال التي تمثل قيمة استثنائية للانسانية جمعاء. يشمل هذا التراث المباني التاريخية والمدن القديمة والممارسات الثقافية والفنون الشعبية التي تعكس هوية الشعوب وذاكرتها الجماعية. وقد اصبح هذا المفهوم عالميا بعد ان تبنته منظمة اليونسكو ضمن جهودها لحماية ما تبقى من التراث الانساني من الاندثار.

 2. اتفاقية التراث العالمي لعام 1972

اتفاقية التراث العالمي لعام 1972 هي الوثيقة الدولية التي ارست الاساس القانوني لحماية التراث الثقافي والطبيعي ذي القيمة الاستثنائية للانسانية. اعتمدت هذه الاتفاقية من قبل منظمة اليونسكو بهدف توحيد جهود المجتمع الدولي في صون التراث الذي يمثل رمزا لهوية الشعوب وذاكرتها التاريخية.

تضمنت الاتفاقية تعريفا واضحا للتراث الثقافي ليشمل المعالم المعمارية والمجمعات العمرانية والمواقع الاثرية ذات الاهمية العالمية، كما شملت التراث الطبيعي مثل المحميات والجبال والغابات التي تتميز بجمال طبيعي فريد او بأهمية بيئية. وقد الزمت الاتفاقية الدول الموقعة عليها بحماية هذا التراث وتوثيقه وصيانته، سواء كان مدرجا على قائمة التراث العالمي ام لا.

من اهم انجازات الاتفاقية انشاء قائمة التراث العالمي، والتي اصبحت مرجعا اساسيا في تحديد المواقع التي تحتاج الى دعم دولي للحفاظ عليها. كما وضعت اليات للتقييم الدوري والمراقبة، وانشأت صندوقا دوليا لدعم المشاريع المرتبطة بالحفظ والترميم، خاصة في الدول النامية.

لقد شكلت هذه الاتفاقية نقطة تحول في كيفية تعامل العالم مع تراثه المشترك، ووضعت اسسا للتعاون الدولي، وخلقت وعيا جماعيا بأهمية حماية الماضي من اجل ضمان مستقبل اكثر ارتباطا بالجذور والقيم الانسانية.

 3. معايير ادراج المواقع في قائمة التراث العالمي

تخضع عملية ادراج المواقع في قائمة التراث العالمي الى معايير دقيقة وضعتها منظمة اليونسكو لضمان ان تكون المواقع المدرجة ذات قيمة عالمية استثنائية. هذه المعايير تهدف الى حماية التراث الثقافي والطبيعي الذي يمثل انجازات بشرية فريدة او تجليات طبيعية نادرة، وهي تعتمد على تقويم علمي وموضوعي تقوم به هيئات متخصصة وخبراء دوليون.

تنقسم المعايير الى فئتين رئيسيتين: الاولى تخص التراث الثقافي، وتشمل المعايير المتعلقة بالإبداع الانساني، او الشهادة على حضارة منقرضة، او تمثيل نمط معماري فريد، او ارتباط الموقع بحدث تاريخي هام او بشخصية بارزة. اما الفئة الثانية فتتعلق بالتراث الطبيعي، مثل المواقع التي تحتوي على ظواهر طبيعية نادرة، او نماذج بارزة من العمليات البيولوجية والايكولوجية، او المواطن التي تؤوي انواعا مهددة بالانقراض.

ومن الضروري ان يتمتع الموقع بسلامة كاملة من حيث المكونات والعناصر الاساسية، وان يخضع لنظام ادارة فعال يضمن استمرارية الحماية على المدى الطويل. كما يجب ان يظهر الموقع اهميته من خلال التوثيق والدراسات والدعم المجتمعي.

تعد هذه المعايير الالية التي تضمن التوازن والعدالة في اختيار المواقع، وتحافظ على مصداقية قائمة التراث العالمي باعتبارها اداة لتكريم وحماية الذاكرة الانسانية المشتركة.

 4. أشكال التراث الثقافي العالمي

التراث الثقافي العالمي يتنوع في اشكاله وتعبيراته، ويعكس غنى التجارب الانسانية وتعدد الحضارات. هذا التنوع يشمل كلا من التراث المادي وغير المادي، حيث يجسد كل منهما جانبا من ذاكرة الشعوب وهويتها الثقافية، ويشكلان معا النسيج الذي يربط الماضي بالحاضر.

التراث الثقافي المادي يشمل المعالم التاريخية مثل القصور والقلاع والمساجد والمعابد والكنائس، اضافة الى المدن القديمة والمواقع الاثرية والمباني ذات الطابع المعماري الفريد. ويشمل ايضا المجموعات المتحفية والمخطوطات والادوات التقليدية التي تحمل قيمة تاريخية او جمالية او علمية.

اما التراث الثقافي غير المادي، فهو يشمل التقاليد الشفوية مثل القصص الشعبية والامثال والحكايات، والفنون الاستعراضية مثل الرقصات والموسيقى التقليدية، والمعارف المرتبطة بالطبيعة مثل الطب الشعبي والزراعة التقليدية، وكذلك الممارسات الاجتماعية والطقوس والمناسبات الاحتفالية.

كما ان الحرف اليدوية والتقنيات التقليدية تدخل ضمن هذا النوع، باعتبارها موروثا ينتقل من جيل الى جيل ويحمل قيما فنية ووظيفية اصيلة. وقد اولت منظمة اليونسكو اهتماما متزايدا بهذا الجانب من التراث، باعتباره الاكثر عرضة للزوال بسبب العولمة والتغيرات المجتمعية.

ان فهم اشكال التراث الثقافي العالمي هو خطوة اساسية نحو حمايته، اذ ان كل نوع من هذه الاشكال يحتاج الى اساليب توثيق وصون مختلفة تضمن استمراريته وتجدده.

 5. دور منظمة اليونسكو في حماية التراث

تلعب منظمة اليونسكو دورا مركزيا في حماية التراث الثقافي على مستوى العالم، حيث تعمل كجهة دولية راعية للاتفاقيات والمعايير التي تنظم صون التراث المادي وغير المادي. وتعتبر جهودها جزءا اساسيا من الحفاظ على ذاكرة الشعوب وهوياتها المتعددة في مواجهة تحديات العصر من نزاعات مسلحة وتغيرات مناخية وعولمة متسارعة.

من ابرز ادوار اليونسكو اعتماد اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972، والتي وفرت اساسا قانونيا دوليا لحماية المواقع ذات القيمة العالمية الاستثنائية. كما اطلقت اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003، التي تهدف الى حماية التقاليد الحية والمعارف الشعبية التي تنتقل من جيل الى اخر.

تقوم المنظمة ايضا بإعداد قوائم التراث العالمي، وتقديم الدعم الفني والمالي للدول من اجل صيانة مواقعها المدرجة، اضافة الى تقديم المساعدة العاجلة في حالات الطوارئ مثل النزاعات والكوارث الطبيعية. وتساهم في تدريب الكوادر المحلية، وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التراث، وتشجيع التعاون بين الدول في مشاريع التوثيق والحفظ.

تولي اليونسكو اهمية خاصة لمشاركة المجتمعات المحلية في عمليات الحماية، ايمانا منها بان صون التراث لا ينجح الا بتفاعل السكان مع ماضيهم. كما تشجع استخدام التكنولوجيا الحديثة في عمليات التوثيق والترميم.

بفضل هذه الادوار، اصبحت اليونسكو رمزا دوليا لجهود حماية التراث، وجسرا للتعاون الثقافي بين الشعوب، وسندا للدول التي تسعى للحفاظ على ماضيها من اجل مستقبلها.

 6. تحديات تواجه التراث الثقافي العالمي

يواجه التراث الثقافي العالمي في العصر الحديث سلسلة من التحديات التي تهدد بقاءه واستمراريته، سواء أكان تراثًا ماديًا مثل المواقع الأثرية والمباني التاريخية، أو تراثًا غير مادي كالممارسات الشعبية والتقاليد الشفوية.

1.النزاعات المسلحة والحروب

تشكل الحروب والاضطرابات السياسية خطرًا مباشرًا على التراث، حيث تُدمر مواقع أثرية وتُنهب متاحف وتُفقد وثائق تاريخية لا تقدر بثمن.

2.التحولات المناخية والكوارث الطبيعية

تسهم الفيضانات، الزلازل، الحرائق، وارتفاع درجات الحرارة في تهديد سلامة المباني التاريخية والمواقع الأثرية.

3.التمدن العشوائي والتوسع العمراني

يؤدي التوسع العمراني غير المنظم إلى إزالة أو إهمال مواقع تراثية لصالح مشاريع حديثة، دون اعتبار لقيمتها الثقافية.

4.السرقة والاتجار غير المشروع بالآثار

يشكل السوق السوداء للقطع الأثرية تهديدًا مستمرًا، حيث تُهرّب كنوز أثرية من بلدانها الأصلية إلى جهات غير شرعية.

5.ضعف التشريعات أو غيابها

تفتقر بعض الدول إلى قوانين فعالة لحماية التراث، أو إلى آليات تطبيق حقيقية رغم وجود التشريعات.

6.قلة الوعي المجتمعي

يعد الجهل بقيمة التراث من أكبر المخاطر، إذ لا يُنظر إليه على أنه مورد حيوي مرتبط بالهوية والتنمية.

7.نقص التمويل والدعم الفني

تعاني كثير من المواقع من نقص الميزانيات اللازمة للترميم والتوثيق والترويج، خاصة في الدول الفقيرة أو المتأثرة بالأزمات.

 7. دور المجتمعات المحلية في صون التراث

تلعب المجتمعات المحلية دورا محوريا في صون التراث الثقافي، اذ تعد الحاضنة الحقيقية لهذا التراث والوريثة له جيلا بعد جيل. فالمعرفة المحلية والعادات والتقاليد التي تتناقلها المجتمعات شفويا او من خلال الممارسة اليومية تمثل الاساس الذي يقوم عليه التراث غير المادي، كما ان ارتباط السكان بمواقعهم الاثرية وتاريخهم يجعلهم اكثر حرصا على حمايته من الاهمال او التدمير.

يساهم السكان المحليون في الحفاظ على التراث من خلال مشاركتهم في اعمال الترميم والصيانة، ونقلهم للمعارف التقليدية والفنون الشعبية، وحرصهم على استمرار الممارسات الثقافية كالاحتفالات والمواسم والطقوس. كما يشاركون في التوثيق، وجمع الروايات الشفوية، وتقديم المعلومات الدقيقة للباحثين والمؤسسات المختصة.

تسعى العديد من الجهات الدولية، وعلى رأسها اليونسكو، الى اشراك المجتمعات في برامج حماية التراث، ايمانا بأن التفاعل المحلي يعزز الاستدامة ويضمن استمرار العلاقة الحية بين الانسان وموروثه الثقافي. ومن خلال التعليم والتوعية والتدريب، يتم بناء قدرات السكان ليكونوا شركاء حقيقيين في الجهود الوطنية والدولية للحفاظ على تراثهم.

ان صون التراث لا يتحقق فقط عبر القوانين والاتفاقيات، بل يتطلب ايمانا راسخا من الافراد بأهمية هذا الموروث ودوره في بناء الهوية وتعزيز الشعور بالانتماء، وهو ما يجعل دور المجتمعات المحلية عنصرا لا غنى عنه في هذه المسيرة.

 8. التراث الثقافي العالمي والتنمية المستدامة

يرتبط التراث الثقافي العالمي ارتباطا وثيقا بمفاهيم التنمية المستدامة، اذ يشكل احد المحاور الاساسية في بناء مجتمعات متوازنة تستند الى تاريخها الثقافي وهويتها الحضارية. فالتراث الثقافي ليس مجرد ماض محفوظ، بل هو مورد حيوي يمكن استثماره في الحاضر والمستقبل لتحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية وبيئية متكاملة.

في الجانب الاقتصادي، يساهم التراث في تنشيط السياحة الثقافية، مما يخلق فرص عمل ويحرك قطاعات مثل الحرف اليدوية والصناعات التقليدية والفنون المحلية. كما يشجع على الاستثمار في ترميم المواقع التاريخية وتحويلها الى مراكز جذب سياحي، ما يعزز دخل المجتمعات المحلية.

من الناحية الاجتماعية، يسهم التراث في ترسيخ قيم التنوع والتسامح والانتماء، ويعزز الحوار بين الثقافات، خاصة عندما يتم دمج مكوناته في التعليم والتربية. كما يمكن ان يكون وسيلة فعالة في دعم الاستقرار المجتمعي، من خلال اشراك السكان في حماية تراثهم وتقديرهم لماضيهم.

اما بيئيا، فالكثير من المعارف التقليدية المرتبطة بالتراث غير المادي، مثل اساليب الزراعة والبناء، تتسم بالانسجام مع الطبيعة ويمكن ان تساهم في حماية البيئة وتقليل اثر التغير المناخي.

ان دمج التراث الثقافي العالمي في خطط التنمية المستدامة يعزز استدامة الموارد الثقافية نفسها ويجعلها اداة فاعلة في تحسين جودة الحياة. ولذلك تدعو منظمة اليونسكو الى اعتماد سياسات وطنية تراعي هذا التكامل، وتشجع على شراكات بين القطاعات المختلفة من اجل توظيف التراث في خدمة مستقبل مستدام.

 9. أمثلة على مواقع تراث عالمي عربية

تزخر الدول العربية بعدد كبير من المواقع المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، وهي مواقع تعكس التنوع الثقافي والتاريخي العميق للمنطقة، وتشهد على حضارات قديمة وازدهار فني ومعماري ترك بصمته في تاريخ البشرية. هذه المواقع تمثل نماذج بارزة للتراث الثقافي المادي الذي يتطلب الحماية والصون.

1. مدينة فاس القديمة - المغرب

تعد فاس من أقدم وأشهر المدن الإسلامية، وتتميز بأزقتها الضيقة ومعمارها التقليدي ومؤسساتها التعليمية والدينية، مثل جامعة القرويين. أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي عام 1981.

2. مدينة صنعاء القديمة - اليمن

تمثل صنعاء نموذجا فريدا للعمارة الطينية الإسلامية، حيث تضم منازل وأبراجا متعددة الطوابق مزينة بنقوش جصية. وهي مسجلة منذ 1986.

3. مدينة بعلبك - لبنان

تضم بقايا أثرية رومانية ضخمة، مثل معابد جوبيتر وباخوس وفينوس، وتعد من أبرز المواقع الأثرية في الشرق الأوسط. أدرجت في القائمة سنة 1984.

4. مدينة تمبكتو - مالي (ذات طابع ثقافي عربي-إسلامي)

رغم أنها ليست ضمن الدول العربية الجغرافية، فإن تمبكتو ارتبطت بالعالم العربي والإسلامي عبر قرون من النشاط العلمي والديني والتجاري.

5. مدينة البترا - الأردن

مدينة نبطية منحوتة في الصخور الوردية، تشتهر بواجهاتها المعمارية الخلابة، وهي من أبرز رموز التراث العربي القديم، أدرجت في القائمة عام 1985.

6. قصر الحمراء - إسبانيا (تراث عربي أندلسي)

يمثل الفن المعماري الإسلامي في الأندلس، وبالرغم من كونه في أوروبا، فإن أصله عربي إسلامي ويعكس عظمة الحضارة الأندلسية.

7. موقع الحِجر (مدائن صالح) - السعودية

أول موقع سعودي يدخل قائمة التراث العالمي، وهو مدينة نبطية تضم مقابر ضخمة منحوتة في الصخور، أدرج عام 2008.

هذه المواقع تؤكد غنى التراث العربي وأهميته في سجل التراث الإنساني العالمي، وتشكل دعوة مفتوحة لمواصلة الجهود لحمايته وتوثيقه.

 10. مستقبل حماية التراث الثقافي العالمي

يمثل مستقبل حماية التراث الثقافي العالمي تحديا وفرصة في آن واحد، في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم على الصعيدين البيئي والاجتماعي. فمع ازدياد النزاعات المسلحة، والتغيرات المناخية، والعولمة، تزداد المخاطر التي تهدد التراث، مما يستوجب تطوير استراتيجيات جديدة تضمن استدامته ونقله للأجيال القادمة.

من أبرز ملامح المستقبل في هذا المجال، اعتماد التكنولوجيا الرقمية كأداة فعالة في التوثيق والصون. فقد أصبحت تقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد، والمسح بالليزر، والمنصات التفاعلية، وسائل قوية في أرشفة التراث المادي وغير المادي، مما يساعد في إعادة ترميمه في حال تعرضه للتلف أو التدمير. كما تتيح الرقمنة توسيع الوصول إلى التراث، وخاصة عبر المتاحف الافتراضية والمنصات التعليمية.

على مستوى السياسات، هناك توجه متزايد نحو إشراك المجتمعات المحلية بشكل أوسع في جهود الحماية، انطلاقا من الوعي بأن التراث يعيش من خلال الناس، وأن استدامته تتطلب مشاركة نشطة من السكان. كما تُبذل جهود لدمج قضايا التراث في برامج التنمية المستدامة، والربط بين حماية التراث وحقوق الإنسان، والتعليم، والتنمية الاقتصادية.

وفي السياق العالمي، يتزايد التعاون بين الدول عبر الاتفاقيات متعددة الأطراف، وبرامج الشراكة، والدعم الفني والمالي من المنظمات الدولية مثل اليونسكو. غير أن التحديات ما تزال قائمة، لا سيما في مناطق النزاع، والمناطق التي تعاني من ضعف في الموارد أو غياب الوعي المجتمعي الكافي.

مستقبل حماية التراث الثقافي العالمي يتطلب توازنا بين الحفاظ على القيم التقليدية والانفتاح على أدوات العصر. ومع تضافر الجهود المحلية والدولية، يمكن تحويل التراث إلى قوة دافعة للسلام، والحوار، والتنمية، وضمان بقائه نابضا في وجدان الإنسانية.

خاتمة 

يشكل التراث الثقافي العالمي ركيزة اساسية لفهم تاريخ الانسانية وتنوعها الحضاري، فهو ليس مجرد مخلفات من الماضي، بل هو تعبير حي عن تجارب الشعوب وهوياتها وقيمها المتوارثة. فالمعابد والقصور والكتابات القديمة، والقصص الشعبية والطقوس والموسيقى التقليدية، كلها شواهد على مسيرة الانسان ومراحل تطوره عبر العصور.

خاتمة التراث الثقافي العالمي تؤكد ان الحفاظ على هذا التراث ليس مسؤولية المؤسسات وحدها، بل هو واجب جماعي تشارك فيه الحكومات والمجتمعات والأفراد. اذ ان حماية التراث تتطلب وعيا عميقا بأهميته في تشكيل الهوية وتعزيز الانتماء، وتستلزم ايضا وجود تشريعات وطنية واضحة، والتزاما دوليا فعالا، وتعاونا واسعا بين جميع الفاعلين في هذا المجال.

في خاتمة التراث الثقافي العالمي، لا بد من التأكيد على ان المخاطر التي تتهدده اليوم ـ من حروب وتغيرات مناخية وتوسع عمراني وفقدان للمعرفة التقليدية ـ تفرض علينا تحركا عاجلا واستراتيجيا. فالمواقع الاثرية التي تتعرض للتخريب، والممارسات الثقافية التي تندثر بصمت، هي خسائر لا تعوض في ذاكرة الانسانية. ومن هنا تأتي أهمية التوثيق المستمر، وإدماج التكنولوجيا، وتعزيز الوعي الثقافي، وتدريب الأجيال الجديدة على حماية هذا الإرث الثمين.

ان خاتمة التراث الثقافي العالمي تفتح الباب للتفكير في المستقبل، حيث لا يكون التراث مجرد ذكرى بل أداة لبناء مجتمعات أكثر عدلا وتنوعا وتسامحا. فعندما نفهم ماضينا جيدا، نتمكن من تشكيل حاضرنا بوعي، وصياغة مستقبلنا بثقة. لذلك فإن الاستثمار في حماية التراث الثقافي العالمي هو استثمار في الإنسان نفسه، في ذاكرته وكرامته وهويته.

ختاما، يجب أن تبقى قضايا التراث في قلب السياسات الثقافية والتعليمية والتنموية، وأن تستمر الجهود على جميع المستويات لضمان نقل هذا الإرث إلى الأجيال القادمة في صورته الحية والمتجددة.

مراجع 

1. التراث الثقافي: المفاهيم والمكونات وسبل الحماية

   المؤلف: د. عبد السلام خلف

   الناشر: دار الفكر العربي، القاهرة

   يشرح المفاهيم الأساسية للتراث الثقافي وأنواعه وأهميته الحضارية.

2. حماية التراث الثقافي بين النظرية والتطبيق

   المؤلف: د. فاطمة الزهراء حسين

   الناشر: دار النشر الجامعي، الجزائر

   يتناول الجوانب القانونية والمؤسساتية لصون التراث الثقافي.

3. التراث الثقافي غير المادي: آليات الحماية في الوطن العربي

   المؤلف: مجموعة من الباحثين - إشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)

   يناقش الاتفاقيات الدولية ودور المؤسسات العربية في حماية التراث غير المادي.

4. قائمة التراث العالمي: مواقع عربية خالدة

   المؤلف: د. سمير عطا الله

   الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت

   يقدم دراسة تفصيلية لأهم المواقع العربية المسجلة في قائمة التراث العالمي.

5. اليونسكو والتراث الثقافي العالمي

   المؤلف: د. نبيل عبد العزيز

   الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب

   يستعرض دور منظمة اليونسكو في حماية التراث وتوثيقه.

6. صون التراث الثقافي في زمن الأزمات

   المؤلف: د. ليلى عوض

   الناشر: مركز الأبحاث والدراسات الاجتماعية، دمشق

   يتناول دور المؤسسات الدولية في حماية التراث في مناطق النزاع.

7. الثقافة والهوية والتراث

   المؤلف: د. محمد عابد الجابري

   الناشر: مركز دراسات المغرب العربي

   يناقش العلاقة بين الثقافة والتراث والهوية في سياق العولمة.

مواقع الكرتونية

1.منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) - قسم التراث العالمي

 يقدم الموقع قاعدة بيانات شاملة عن مواقع التراث العالمي حول العالم، إضافة إلى الوثائق والمبادرات ذات الصلة.

 رابط: https://whc.unesco.org/ar

2.المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)

 يتناول الموقع مشاريع حماية التراث الثقافي في العالم العربي، لا سيما التراث غير المادي.

 رابط: https://www.alecso.org/nsite/ar/

3.مركز التراث العالمي الرقمي - ICCROM

 يعرض الموقع مشاريع الترميم والتدريب والحماية التي تُنفذ بالتعاون مع دول عدة.

 رابط: https://www.iccrom.org/ar

4.بوابة الثقافة والتراث - وزارة الثقافة السعودية

 يعرض معلومات عن المواقع التراثية السعودية المسجلة في قائمة اليونسكو، وجهود التوثيق والحماية.

 رابط: https://heritage.moc.gov.sa

5.موقع ثقافات - بوابة عربية للتراث والفنون

 يحتوي على مقالات وتحقيقات حول التراث الثقافي في العالم العربي والعالمي.

 رابط: https://thaqafat.com

تعليقات