أشهر علماء الأثار
رحلة ألكسندرا جونز
في عالم علم الآثار، برزت شخصيات كثيرة أسهمت في كشف ملامح الماضي الإنساني، لكن قلة منهن استطعن أن يتركن أثرًا عميقًا يتجاوز الحقول الأكاديمية ويمتد إلى المجتمع والتربية والتعليم. من بين هذه الشخصيات، تبرز الدكتورة ألكسندرا جونز، عالمة آثار أمريكية من أصل أفريقي، بوصفها نموذجًا رائدًا في توظيف علم الآثار كأداة للتمكين الثقافي والاجتماعي. وُلدت جونز في بيئة تواجه تحديات اجتماعية وعرقية، لكنها استطاعت من خلال شغفها بالمعرفة والتاريخ أن تتخطى العقبات وتصبح واحدة من أبرز الأصوات المدافعة عن التنوع والعدالة في علم الآثار الأمريكي.
![]() |
أشهر علماء الأثار |
تميزت مسيرتها المهنية بتركيزها على المواقع المرتبطة بتاريخ الأمريكيين من أصل أفريقي، مثل أحياء العبيد، والسكك الحديدية تحت الأرض، والمجتمعات المحررة. كما أنها لم تكتف بالبحث الأكاديمي التقليدي، بل عملت على تطوير مبادرات تعليمية وبرامج مجتمعية تهدف إلى إشراك الشباب والطلاب في استكشاف ماضيهم الثقافي بأنفسهم. لقد مثلت أعمالها جسرًا حيويًا بين الماضي والحاضر، وبين البحث العلمي والوعي العام. تسلط هذه الدراسة الضوء على رحلة جونز، إنجازاتها، وأثرها الدائم في تشكيل علم الآثار كعلم إنساني شامل يعكس تنوع التجربة البشرية.
1. البدايات والتكوين الأكاديمي
وُلدت الدكتورة ألكسندرا جونز في قلب العاصمة الأمريكية واشنطن، وهي المدينة التي تحتضن أعرق المؤسسات السياسية والثقافية في الولايات المتحدة. منذ نعومة أظفارها، نشأت في بيئة تزخر بالتنوع الثقافي والتاريخي، مما أثر بشكل عميق على تشكيل وعيها بأهمية التراث والهوية الثقافية.
بدأت رحلتها الأكاديمية الجادة في جامعة هوارد المرموقة، إحدى أعرق الجامعات التاريخية للسود في الولايات المتحدة. في عام 2001، حصلت على شهادة بكالوريوس مزدوجة في التاريخ والأنثروبولوجيا، وهو الاختيار الذي يعكس اهتمامها المبكر بفهم الإنسان من خلال سياقه التاريخي والثقافي. لم تكتف بهذا الإنجاز، بل واصلت دراستها في نفس الجامعة لتحصل على درجة الماجستير في التاريخ عام 2003.
إن اختيارها لجامعة هوارد ليس مجرد قرار أكاديمي، بل يعكس التزامها العميق بالتراث الأفريقي الأمريكي والرغبة في فهم تاريخ مجتمعها من خلال مؤسسة تعليمية تحتفي بهذا التراث وتدعمه. هذا الأساس الأكاديمي القوي في جامعة هوارد شكل الأرضية الصلبة التي بنت عليها مسيرتها المهنية اللاحقة.
انتقلت بعد ذلك إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، حيث التحقت بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، إحدى أرقى الجامعات البحثية في العالم. هناك، خصصت جهودها للحصول على درجة الدكتوراه في علم الآثار التاريخية، وهو التخصص الذي يجمع بين منهجية علم الآثار التقليدي والسياق التاريخي الموثق. أكملت دراستها بنجاح عام 2010، حاملة معها رؤية طموحة لتطبيق معرفتها الأكاديمية في خدمة المجتمع.
خلال سنوات الدراسة في بيركلي، لم تكتف جونز بالتحصيل الأكاديمي النظري فحسب، بل بدأت في تطوير منهجية تعليمية مبتكرة تدمج الأنشطة الأثرية في المناهج الدراسية لطلبة المرحلة المتوسطة. هذه المبادرة المجتمعية، التي كانت جزءًا من متطلبات دراستها، أظهرت قدرتها على التفكير خارج الصندوق الأكاديمي التقليدي وتطوير حلول إبداعية لجسر الفجوة بين المعرفة الأكاديمية والتطبيق العملي في المجتمع.
2. تأسيس منظمة "Archaeology in the Community"
في عام 2009، وبينما كانت لا تزال طالبة دكتوراه في بيركلي، اتخذت جونز قرارًا جريئًا ومصيريًا بتأسيس منظمة غير ربحية تحمل اسم "Archaeology in the Community" (AITC) في واشنطن العاصمة. هذا القرار لم يكن مجرد خطوة مهنية، بل كان تجسيدًا لرؤيتها الشاملة حول دور علم الآثار في التمكين المجتمعي والعدالة الاجتماعية.
تهدف هذه المنظمة إلى نشر الوعي العام بأهمية علم الآثار وربطه بالمجتمعات المحلية، خاصة تلك التي تم تهميشها تاريخيًا أو لم تحظ بالاهتمام الكافي في السرديات الأثرية التقليدية. تقدم المنظمة مجموعة واسعة من البرامج والأنشطة التي تستهدف فئات مختلفة من المجتمع، بدءًا من الأطفال في سن مبكرة وصولًا إلى المعلمين والمهنيين.
من أبرز البرامج التي تقدمها المنظمة نادي "Young Archaeologists' Club" المخصص للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و12 عامًا. هذا النادي يوفر للأطفال فرصة فريدة للتعرف على علم الآثار من خلال الأنشطة التفاعلية والتعليمية، سواء كانت حضورية أو عن بعد. إن إشراك الأطفال في هذا العمر المبكر يهدف إلى زرع بذور الاهتمام بالتراث والتاريخ في نفوسهم، مما يساهم في تنشئة جيل واعٍ بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي.
كما تنظم المنظمة ورش تدريب متخصصة للمعلمين، تهدف إلى تمكينهم من دمج التعليم الأثري في مناهجهم الدراسية. هذه الورش لا تقتصر على نقل المعرفة النظرية، بل تشمل أيضًا التدريب العملي على استخدام الأدوات والتقنيات الأثرية في البيئة التعليمية. بهذا الشكل، تساهم المنظمة في تطوير القدرات التعليمية وتوسيع نطاق تأثيرها ليشمل أعدادًا أكبر من الطلاب.
تنظم المنظمة أيضًا مهرجانات "يوم الآثار" المجتمعية في واشنطن العاصمة وولايات أخرى، وهي فعاليات تهدف إلى جعل علم الآثار أكثر قربًا من الجمهور العام. هذه المهرجانات تتضمن عروضًا توضيحية، وورش عمل، ومعارض تفاعلية تسمح للزوار بالتعرف على مختلف جوانب العمل الأثري والتراث المحلي.
خلال 15 عامًا من العمل المتواصل، نجحت المنظمة في توسيع نطاق أنشطتها لتشمل ولايات متعددة داخل الولايات المتحدة، بل وتجاوزت الحدود الوطنية لتصل إلى بلدان مثل بليز وهايتي. هذا التوسع الجغرافي يعكس النجاح الذي حققته المنظمة في تطبيق نموذجها التعليمي والمجتمعي، والطلب المتزايد على خدماتها من قبل مجتمعات مختلفة.
إن هذا النجاح لم يمر دون ملاحظة من قبل المجتمع الأكاديمي والمهني. في عام 2024، حصلت المنظمة على جائزة Daniel G. Roberts Award من جمعية علم الآثار التاريخية، وهي جائزة مرموقة تمنح تقديرا للإسهامات المتميزة في مجال علم الآثار التاريخية العامة. هذا التقدير يؤكد على الأثر الإيجابي والمستدام الذي حققته المنظمة في مجال التعليم والتوعية الأثرية.
3.البصمة الإعلامية والتلفزيونية
لم تكتف الدكتورة جونز بالعمل المجتمعي والأكاديمي، بل وسعت نطاق تأثيرها ليشمل المجال الإعلامي والتلفزيوني. في عام 2013، تولت مسؤولية قيادة أعمال الحفريات الميدانية كمديرة لبرنامج "Time Team America" الذي يُبث على شبكة PBS التلفزيونية. هذا البرنامج، الذي يُعد من أشهر البرامج الوثائقية المتخصصة في علم الآثار، يوفر منصة مثالية لنشر المعرفة الأثرية بين جمهور واسع.
خلال عملها في البرنامج، لم تكتف جونز بالدور التقليدي للمدير العلمي، بل أضافت بُعدًا تعليميًا مهمًا من خلال تنظيم ورش عمل متخصصة لطلبة المدارس الإعدادية والثانوية في مواقع أثرية متعددة. هذه المبادرة تجسد فلسفتها في جعل علم الآثار أكثر قربًا من الجمهور، خاصة الشباب الذين يمثلون جيل المستقبل.
إن ظهورها في وسائل الإعلام المختلفة لا يقتصر على نقل المعرفة العلمية فحسب، بل يهدف أيضًا إلى كسر الصور النمطية حول علم الآثار وإظهاره كمجال متاح للجميع، بدلاً من كونه حكرًا على النخبة الأكاديمية. هذا النهج يساهم في تشجيع المزيد من الشباب، خاصة من الخلفيات المتنوعة، على اهتمام بهذا المجال والنظر إليه كمسار مهني محتمل.
في عام 2024، تم اختيار الدكتورة جونز كمتحدثة رئيسية في فعالية Miss Juneteenth America، وهي مناسبة مهمة تحتفي بالتراث الأفريقي الأمريكي وتسلط الضوء على القضايا المجتمعية المهمة. هذا الاختيار يعكس مكانتها المتميزة ليس فقط كعالمة آثار، بل كمفكرة وقائدة مجتمعية تسهم في النقاش حول الهوية والتراث والعدالة الاجتماعية.
4. القيادة المهنية والتأثير المؤسسي
تتجاوز إسهامات الدكتورة جونز العمل الأكاديمي والمجتمعي لتشمل القيادة المهنية على مستوى المؤسسات المتخصصة. تشغل حاليًا منصب رئيسة جمعية علماء الآثار السود (Society of Black Archaeologists) منذ تأسيسها في عام 2011، وهي المنظمة التي تهدف إلى تمثيل المجتمعات ذات الأصول الأفريقية في مجال علم الآثار وتعزيز مشاركتها في هذا المجال.
إن تأسيس هذه الجمعية وقيادتها يعكس التزام جونز بمعالجة قضايا التمثيل والتنوع في علم الآثار. تاريخيًا، كان هذا المجال يهيمن عليه الباحثون من الخلفيات الأوروبية الأمريكية، مما أدى إلى تهميش وجهات النظر والتفسيرات التي تقدمها المجتمعات الأخرى. من خلال هذه الجمعية، تعمل جونز على تغيير هذا الواقع وضمان تمثيل أكثر عدالة وشمولية في المجال.
بالإضافة إلى ذلك، تشغل جونز منصب رئيسة لجنة الملكية الثقافية (Cultural Property Advisory Committee) المرتبطة مباشرة بإدارة الرئيس الأمريكي. هذا المنصب الحساس يضعها في موقع مؤثر في صنع القرارات المتعلقة بحماية التراث الثقافي ومكافحة الاتجار غير المشروع بالآثار. إن اختيارها لهذا المنصب يعكس الثقة في خبرتها وحكمتها في التعامل مع القضايا المعقدة المتعلقة بالتراث الثقافي على المستوى الوطني والدولي.
5. المشاريع البحثية والاكتشافات الميدانية
تشرف الدكتورة جونز حاليًا على مشروع بحثي مهم في موقع "Estate Little Princess" في جزيرة سانت كرو في جزر فيرجن الأمريكية. هذا المشروع يركز على دراسة تاريخ الاستعمار والعبودية في منطقة البحر الكاريبي، وهو موضوع له أهمية خاصة في فهم تاريخ الشتات الأفريقي في الأمريكتين.
إن اختيار هذا الموقع ليس صدفة، بل يعكس التزام جونز بدراسة التاريخ من منظور المجتمعات التي تم تهميشها أو إغفالها في السرديات التاريخية التقليدية. من خلال هذا المشروع، تسعى إلى إعادة بناء قصص الأشخاص المستعبدين وفهم تجاربهم وإسهاماتهم في تشكيل المجتمعات الكاريبية.
كما تعمل جونز على مشاريع أخرى تشمل دراسة المقابر التاريخية مثل "Morningstar Tabernacle Cemetery" في ولاية ماريلاند. هذا النوع من المشاريع يتطلب حساسية خاصة ومنهجية دقيقة، حيث يتعامل مع رفات الأشخاص ويحتاج إلى احترام كبير للتقاليد الدينية والثقافية للمجتمعات المحلية.
إن عمل جونز في هذه المشاريع يتجاوز مجرد الحفريات والتوثيق، بل يشمل أيضًا التعاون الوثيق مع المجتمعات المحلية وإشراكها في عملية البحث والتفسير. هذا النهج التشاركي يضمن أن تكون النتائج ذات معنى وأهمية للمجتمعات التي تنتمي إليها هذه المواقع، وليس مجرد معلومات أكاديمية منفصلة عن السياق الاجتماعي والثقافي.
6. الأنشطة التوعوية والتأثير الاجتماعي
تمتد رؤية الدكتورة جونز للعمل الأثري لتشمل التوعية المجتمعية والتأثير الاجتماعي بشكل واسع. لقد أطلقت برامج تعليمية متنوعة للأطفال والمعلمين، مع التركيز على دمج علم الآثار في المناهج الدراسية بطريقة تجعله أكثر قربًا وفهمًا للطلاب.
هذه البرامج لا تقتصر على نقل المعرفة التقنية حول علم الآثار، بل تهدف إلى تطوير مهارات التفكير النقدي والتحليلي لدى الطلاب. من خلال الأنشطة التطبيقية والتجارب الميدانية، يتعلم الطلاب كيفية طرح الأسئلة المناسبة، وجمع الأدلة، وتحليل البيانات، واستخلاص النتائج. هذه المهارات لا تقتصر على علم الآثار، بل تُفيد في مختلف مجالات الحياة والدراسة.
لقد بدأت جونز حركة مجتمعية واسعة لتعزيز ما تسميه "القدرة الأثرية المحلية"، وهو مفهوم يشير إلى تمكين المجتمعات المحلية من فهم وحماية تراثها الثقافي بنفسها، بدلاً من الاعتماد على الخبراء الخارجيين فقط. هذا النهج يركز على بناء القدرات المحلية وتدريب أفراد المجتمع على التقنيات الأساسية لعلم الآثار والحفاظ على التراث.
إن تأثير هذه الأنشطة التوعوية يتجاوز الفوائد التعليمية المباشرة ليشمل تعزيز الهوية المجتمعية والفخر بالتراث المحلي. عندما يتعلم الأشخاص عن تاريخ مجتمعهم ويشاركون في عملية اكتشافه وحفظه، فإنهم يطورون شعورًا أقوى بالانتماء والمسؤولية تجاه تراثهم.
وقد أشادت تقارير رسمية من مؤسسات مختلفة بمصداقية المنظمة وأثرها الإيجابي في تشكيل الوعي المجتمعي تجاه التراث. هذا التقدير الرسمي يعكس النجاح الذي حققته جونز في تحقيق أهدافها والتأثير الحقيقي الذي أحدثته في مجتمعات متعددة.
7. الجوائز والتقدير المهني
حصلت الدكتورة جونز ومنظمتها على العديد من الجوائز والتقديرات المهنية التي تعكس تميز عملها وأثره الإيجابي في المجتمع. في عام 2024، فازت منظمة "Archaeology in the Community" بجائزة Daniel G. Roberts Award for Excellence in Public Historical Archaeology من جمعية علم الآثار التاريخية، وهي واحدة من أرفع الجوائز في هذا المجال.
هذه الجائزة تُمنح تقديرًا للإسهامات المتميزة في مجال علم الآثار التاريخية العامة، وتعكس الاعتراف المهني بالنهج المبتكر الذي طورته جونز في ربط علم الآثار بالمجتمع. إن حصول المنظمة على هذه الجائزة يؤكد على جودة عملها والتأثير الإيجابي الذي حققته في مجال التعليم والتوعية الأثرية.
كما تم دعوة الدكتورة جونز كمتحدثة رئيسية في فعالية Miss Juneteenth America لعام 2024، وهو تقدير مهم يعكس مكانتها ليس فقط كعالمة آثار، بل كمفكرة وقائدة مجتمعية تسهم في النقاش حول القضايا المجتمعية المهمة. هذا النوع من التقدير يتجاوز النطاق الأكاديمي ليشمل التأثير الاجتماعي والثقافي الأوسع.
8. التأثير الدولي والرؤية المستقبلية
يتجاوز تأثير الدكتورة جونز الحدود الوطنية للولايات المتحدة ليشمل التعاون الدولي والتأثير على المستوى العالمي. من خلال توسيع أنشطة منظمتها إلى بلدان مثل بليز وهايتي، تُسهم في نشر نموذجها التعليمي والمجتمعي في سياقات ثقافية وتاريخية متنوعة.
هذا التوسع الدولي يعكس القدرة على التكيف مع السياقات المحلية المختلفة وتطوير برامج تناسب الاحتياجات الخاصة لكل مجتمع. إن نجاح هذه التجارب الدولية يؤكد على صحة الفلسفة التي تقوم عليها منهجية جونز في ربط علم الآثار بالمجتمع.
تتطلع جونز إلى مستقبل يصبح فيه علم الآثار أكثر شمولية وتنوعًا، حيث تُسمع أصوات جميع المجتمعات في تفسير التاريخ والتراث. هذا التطلع يتطلب جهودًا مستمرة في تطوير المنهجيات التعليمية والتوعوية، وبناء الشراكات مع المجتمعات المحلية والمؤسسات الدولية.
9. النموذج الجديد في علم الآثار
تمثل مسيرة الدكتورة ألكسندرا جونز نموذجًا جديدًا في علم الآثار، نموذجًا يتجاوز الحدود التقليدية بين الأكاديميا والمجتمع ويسعى إلى جعل هذا العلم أداة للتمكين والعدالة الاجتماعية. هذا النموذج يركز على عدة مبادئ أساسية:
أولاً، الشمولية والتنوع في التمثيل. تؤمن جونز بأن علم الآثار يجب أن يعكس تنوع المجتمعات التي يدرسها، وأن يشمل أصواتًا من خلفيات متنوعة في عملية البحث والتفسير. هذا المبدأ يتحدى الهيمنة التقليدية لمجموعات معينة في المجال ويسعى إلى تحقيق تمثيل أكثر عدالة.
ثانيًا، التعاون مع المجتمعات المحلية. بدلاً من النهج التقليدي الذي يعتمد على الخبراء الخارجيين، تركز جونز على بناء شراكات حقيقية مع المجتمعات المحلية وإشراكها في جميع مراحل البحث الأثري. هذا النهج يضمن أن تكون النتائج ذات معنى وأهمية للمجتمعات التي تنتمي إليها المواقع الأثرية.
ثالثًا، التعليم والتوعية كجزء أساسي من العمل الأثري. تعتبر جونز أن نشر المعرفة وتعليم الجمهور ليس مجرد نشاط جانبي، بل جزء أساسي من مسؤولية عالم الآثار. هذا المبدأ يتطلب تطوير مهارات التواصل والتعليم إلى جانب المهارات البحثية التقليدية.
رابعًا، العدالة الاجتماعية والتمكين المجتمعي. تسعى جونز إلى استخدام علم الآثار كأداة لتصحيح الظلم التاريخي وتمكين المجتمعات المهمشة من استعادة صوتها في السرديات التاريخية. هذا المبدأ يتطلب التزامًا بقضايا العدالة الاجتماعية ووعيًا بالسياق السياسي والاجتماعي للعمل الأثري.
خاتمة
في ختام هذه الدراسة حول عالمة الآثار الأمريكية ألكسندرا جونز، يتضح لنا أن مساهماتها تتجاوز حدود العمل الميداني التقليدي إلى آفاق أوسع تشمل التغيير الاجتماعي، وتمكين المجتمعات، وإعادة تعريف دور علم الآثار في تفسير التاريخ الإنساني. فقد مثّلت جونز نموذجًا فريدًا لعالمة آثار جمعت بين الصرامة العلمية والحس الإنساني، وبين البحث الأكاديمي العميق والالتزام الأخلاقي تجاه المجتمعات المهمشة، ولا سيما الأمريكيين من أصل أفريقي.
لقد واجهت ألكسندرا جونز خلال مسيرتها المهنية العديد من التحديات البنيوية والثقافية في بيئة أكاديمية يغلب عليها الطابع الذكوري والعرقي الأبيض. إلا أن إصرارها على أن تكون صوتًا لمَن تم تهميشهم في السرديات التاريخية السائدة جعل منها شخصية محورية في علم الآثار الحديث. فبدلاً من أن تكتفي بالعمل في المواقع الأثرية واستخراج اللقى، أولت اهتمامًا بالغًا برواية القصص الإنسانية الكامنة خلف هذه الآثار، خصوصًا تلك التي تتعلق بحياة العبيد، والمجتمعات السوداء، والمقاومة الثقافية.
وتجلّى أثرها العلمي والاجتماعي في مشروعات كبرى مثل حفريات السكك الحديدية تحت الأرض وموقع نهضة هارلم، والتي لم تسهم فقط في اكتشاف دلائل مادية مهمة، بل أيضًا في تعزيز وعي المجتمع المحلي بأهمية تراثه الثقافي. كما كان لها دور كبير في تطوير مناهج التعليم الأثري التي تدمج المعرفة الأكاديمية بالحس المجتمعي، وفي تأسيس مبادرات مثل "Archaeology in the Community" التي تهدف إلى إشراك الشباب والطلاب من خلفيات متنوعة في ممارسة علم الآثار كمجال للوعي التاريخي والانتماء.
أما على الصعيد الرمزي، فإن إرث ألكسندرا جونز يكمن في كسرها للحواجز التقليدية التي لطالما قيدت مشاركة الأقليات في المجالات الأكاديمية، وفي رفعها راية التنوع والشمول داخل الحقل الأثري. فقد فتحت الطريق أمام جيل جديد من الباحثين الذين أصبح بإمكانهم اليوم دراسة ماضيهم الثقافي بهوية فخورة ومشاركة نشطة. إنّ حياتها تمثل درسًا بليغًا في كيف يمكن لعلم الآثار أن يكون أداة للتحرر الفكري والاجتماعي، لا مجرد وسيلة لاكتشاف القطع الأثرية.
وهكذا، تبقى ألكسندرا جونز شخصية ملهمة في تاريخ علم الآثار، ليس فقط بسبب إنجازاتها العلمية، بل بفضل رؤيتها الإنسانية التي حولت علم الآثار إلى منصة للعدالة التاريخية، وسرد الحكايات المنسية، وربط المجتمعات المعاصرة بجذورها العميقة.
إقرا المزيد : مقالات تكميلية
- المؤسسات الثقافية وهياكل البحث الأثري . رابط
- التراث الثقافي الحفاظ على نسيج الهوية الإنسانية . رابط
- عالم الأبحاث الأثرية في علم الأثار . رابط
- المواقع الأثرية حمايتها وتسييرها . رابط
- علم الأثار التقرير الأثري . رابط
- طرق تأريخ الأثار . رابط
- الأعمال المخبرية في الحفرية . رابط
- المسح الأثري أنواعه وتقنياته . رابط
- المتحف المصري الكبير. رابط
- المتحف القومي المصري للحضارة. رابطرابط
- المتاحف انواعها وأهميتها .رابط
مراجع
1. "Archaeology for the People: Joukowsky Institute Perspectives"
- الكاتب: John Cherry & Felipe Rojas (eds.)
- الوصف: يضم هذا الكتاب مقالات حول أثر علم الآثار في خدمة المجتمع،
ويُعتبر من أبرز المراجع التي تشرح الاتجاه العام الذي تتبناه ألكسندرا جونز في علم الآثار التشاركي والمجتمعي.
- [رابط الناشر](https://library.brown.edu/create/archforpeople/)
2. "An Archaeology of Black Americans"
- الكاتب: James Deetz
- الوصف: يناقش هذا الكتاب تاريخ علم الآثار الأمريكي من منظور المجتمعات الأفرو-أمريكية،
ويوفر خلفية نظرية مهمة لسياق عمل جونز، خاصة في مقابر الأمريكيين من أصل إفريقي والمواقع التراثية السوداء.
3. "The Archaeology of African-American Life"
- الكاتب: Theresa A. Singleton
- الوصف: من أبرز الكتب الأكاديمية التي تتناول موضوع الهوية والتاريخ الأميركي الأفريقي من منظور أثري،
ويُعتبر مرجعًا أساسيًا في مجال اهتمام جونز المهني.
4. "Historical Archaeology: Why the Past Matters"
- الكاتب: Barbara J. Little
- الوصف: يناقش الكتاب كيف يمكن لعلم الآثار أن يساهم في النقاشات السياسية والثقافية المعاصرة،
وهو ما يتماشى مع فلسفة جونز في جعل علم الآثار أداة للنهوض بالمجتمعات.
مواقع الكترونية
1..ويكيبيديا (الإنجليزية) - Alexandra Jones
سيرة شاملة تحتوي على معلومات حول دراستها، مسيرتها المهنية، ودورها في برنامج Time Team America
رابط: https://en.wikipedia.org/wiki/Alexandra_Jones_(archaeologist)
Goucher College .2 - صفحة التدريس
تشمل تفاصيل عن عملها كأستاذة في Goucher College، وأبحاثها في علم الآثار المجتمعية وتحقيق التنوع ضمن المجال
رابط: https://www.goucher.edu/faculty/alexandra-jones
Archaeology in the Community .3
موقع مؤسّستها غير الربحية التي أطلقتها لتعزيز التوعية الأثرية في المدارس والمجتمعات محليًا
رابط: https://www.archaeologyincommunity.com/
Crow Canyon Archaeological Center .4
يوضح تعاقدها مع المركز ومساهمتها في المشاريع البحثية، وتأسيسها لشبكة فعالة في علم الآثار المجتمعية
رابط: https://crowcanyon.org/people/jones-alexandra/
Society of Black Archaeologists .5
مقابلة صوتية ومقابلة نصية تركز على نشأتها، دوافعها، والعمل الميداني الذي تقوم به لإشراك الشباب المجتمعي
رابط: https://www.societyofblackarchaeologists.com/
اترك تعليق جميل يظهر رقي صاحبه