أقسام التراث الثقافي
تتنوع أقسام التراث الثقافي لتشمل مظاهر متعددة من حياة الشعوب وتاريخها، وهي تعكس غنى التجارب الإنسانية واختلاف البيئات والثقافات. تنقسم أقسام التراث الثقافي الى قسمين رئيسيين: التراث المادي، ويشمل المباني التاريخية، المواقع الاثرية، القطع الفنية، والمخطوطات، وكل ما هو ملموس ومرتبط بالماضي الحضاري للأمم. اما القسم الثاني فهو التراث غير المادي، ويتضمن العادات والتقاليد، الحكايات الشعبية، الطقوس، الاحتفالات، والموسيقى والرقصات التي تنتقل من جيل الى آخر شفهيا او بالممارسة.
تشمل أقسام التراث الثقافي ايضا التراث الطبيعي، الذي يتمثل في المواقع البيئية التي تحمل بعدا ثقافيا او رمزيا، مثل الواحات والجبال المقدسة. كما يوجد التراث الحرفي الذي يعبر عن المهارات التقليدية في الصناعات اليدوية كالخزف والنسيج والنقش. وتساعد هذه الاقسام في تصنيف التراث وتصميم استراتيجيات الحفظ والتوثيق المناسبة لكل نوع، ما يسهل على المؤسسات الثقافية تنظيم جهودها.
تكرار دراسة اقسام التراث الثقافي يعزز الوعي العام باهمية الهوية الثقافية، ويشجع على صون ذاكرة الشعوب من التلاشي، ويجعل من التراث جسرا حيويا للتواصل بين الاجيال، واداة فعالة للتعليم والانتماء الوطني.
1. التراث الثقافي المادي بين المعمار والمقتنيات
يشير التراث الثقافي المادي إلى جميع العناصر الملموسة التي خلفتها الحضارات والشعوب، والتي تشمل المباني والمعالم والآثار والعمارة التقليدية، فضلًا عن الأدوات والمقتنيات والمخطوطات. وتشمل هذه الفئة القصور، والقلاع، والمعابد، والبيوت التقليدية، والمساجد، والأسواق القديمة، فضلًا عن الأواني والمسكوكات واللوحات الفنية.
يتميّز هذا النوع من التراث بقدرته على الصمود في وجه الزمن، كما أنه يخضع غالبًا لعمليات حماية وترميم وتوثيق من قبل الجهات المختصة. ويُعد التراث المعماري نموذجًا مهمًا لفهم الذوق الفني والوظيفة المجتمعية التي كان يؤديها البناء، إذ أن كل تفصيلة فيه تعبّر عن احتياجات الناس في تلك الفترة وتصورهم للجمال.
كذلك تُعد المخطوطات والكتب القديمة من أبرز عناصر التراث المادي، كونها توثّق الفكر والمعرفة والنظام الاجتماعي والديني الذي ساد في عصور مختلفة.
2. التراث الثقافي غير المادي
التراث غير المادي هو أكثر عناصر التراث اتصالا بالناس، كونه يتمثل في الممارسات والعادات والتقاليد والمعتقدات التي تنتقل شفهيًا أو عمليا من جيل إلى آخر. ومن أهم مظاهره: الفولكلور، الحكايات الشعبية، الأمثال، الأهازيج، الرقصات، الأغاني، الطقوس الدينية والاجتماعية، وفنون الأداء.
يمتاز هذا النوع من التراث بمرونته وقدرته على التكيّف مع التغيرات، مما يجعله عرضة للتحريف أو النسيان إن لم يتم توثيقه وصونه بوسائل مناسبة. ومن أبرز الأمثلة عليه: "الدبكة" في بلاد الشام، و"السامري" في الخليج، و"الملحون" في المغرب، و"المديح النبوي" في السودان. وكل هذه الأشكال تُعبر عن ثقافة المجتمع وتاريخه وتصوراته عن الحياة.
هذا التراث يعد مصدرا غنيا لفهم النفس الجماعية للأمم، كما أنه عنصر أساس في التربية غير الرسمية، وغالبًا ما يكون له دور في بناء القيم والهوية والانتماء.
3. التراث الطبيعي علاقة الإنسان بالبيئة
لا يعد التراث الطبيعي منفصلا عن الثقافي، بل هو امتداد له، إذ يشمل المواقع البيئية التي تحمل قيمة ثقافية أو رمزية عالية بالنسبة لمجتمع ما، مثل الجبال، والأنهار، والواحات، والكهوف المقدسة، والحدائق التراثية، وغيرها.
وقد أدرجت منظمة اليونسكو كثيرا من مواقع التراث الطبيعي ضمن لائحة التراث العالمي، إيمانا بأن الطبيعة تُعبّر أيضًا عن العلاقة بين الإنسان والبيئة عبر العصور. فمثلا، جبال الأطلس في المغرب، أو واحات الجزائر، أو دلتا النيل في مصر، ليست فقط أماكن جغرافية، بل هي حاضنة للذاكرة الجماعية، ومصدر لروايات وأساطير شعبية.
يحمل التراث الطبيعي بعدا بيئيا مهما، إذ يدفع إلى التفكير في استدامة الموارد والتوازن بين الإنسان والطبيعة.
4. التراث المكتوب الذاكرة المدونة للشعوب
يمثل التراث المكتوب مكونًا أساسيا من مكونات التراث الثقافي، ويتمثل في المخطوطات، الوثائق الرسمية، الرسائل، الأدب القديم، وكتب الرحالة والعلماء. وقد لعب هذا النوع من التراث دورًا كبيرًا في نقل المعرفة، وتوثيق الأحداث، وحفظ اللغة والهوية.
من أبرز أمثلته: موسوعة الجاحظ، وكتب ابن خلدون، ورسائل ابن سينا، والمعلقات الشعرية، وكتب الفقهاء، ومخطوطات الأزهر والقيروان وفاس.
التراث المكتوب يُمكّننا من استعادة فهم النُظم الاجتماعية والقانونية والفكرية التي سادت في عصور مضت، كما أنه يعكس تطور الفكر البشري وأساليبه في التحليل والوصف والتدوين.
5. التراث الشفهي الحكايات والأمثال والأغاني الشعبية
التراث الشفهي هو ذلك الذي يُتناقل بالكلمة من جيل إلى آخر دون تدوين، ويشمل الحكايات الشعبية، الأغاني، الأمثال، الأساطير، الحكم، والأهازيج. وهو أحد أبرز الوسائل التي استخدمتها المجتمعات القديمة في تثقيف الأفراد ونقل القيم والمعارف.
من الأمثلة البارزة في هذا السياق: ألف ليلة وليلة، والسيرة الهلالية، وسيرة عنترة، وكلها كانت تُروى شفهيًا في المقاهي والأسواق والمجالس، ثم تم جمعها لاحقًا في مؤلفات.
كما يُعد المثل الشعبي أداة فعالة في تصوير الواقع وتوجيه السلوك، مثل: "من جد وجد"، و"الصبر مفتاح الفرج"، وغيرها. هذا التراث يحمل لغة الناس اليومية، ويمثل سجلًا للوجدان الشعبي والوعي الجمعي.
6. التراث الفني
تشمل هذه الفئة الفنون التي تعبر عن مشاعر الشعوب من خلال الأداء أو التشكيل، وهي تنقسم إلى الموسيقى، الغناء، الرقص، والزخرفة، والرسم، والنحت، والخط العربي. وتُعد الموسيقى والرقص الشعبيين من أهم أدوات التعبير الفني، حيث يستخدمها الناس في الأفراح والمناسبات والاحتفالات، بل حتى في الحزن والحداد.
الرقصات مثل الأحيدوس في المغرب، أو الطانبور في السودان، تحمل في حركتها لغة خاصة تُعبر عن الانتماء والجماعة، كما أن الزخارف الموجودة على الأقمشة والفخار والأبواب الخشبية تعكس الحس الفني والذوق البصري.
وتعد الفنون التشكيلية التقليدية مثل الخط العربي والمنمنمات أحد أعظم تعبيرات الهوية الثقافية الإسلامية، وقد وصلت إلى مستوى راقٍ من الإبداع والدقة.
7. التراث الديني الطقوس والمعتقدات والمواقع المقدسة
يرتبط التراث الديني بالتقاليد والعقائد والاحتفالات ذات الطابع الديني، والتي تختلف باختلاف المجتمعات والديانات. ويشمل هذا التراث المواقع المقدسة مثل المساجد والكنائس والأضرحة، والطقوس كصلاة العيد، والحج، والصيام، والأذكار، والاحتفالات مثل المولد النبوي وعاشوراء.
هذه الطقوس تحمل قيمًا روحية وأخلاقية، وتُسهم في توثيق الرابط بين الفرد والمجتمع، وبين الإنسان والميتافيزيقا، كما أنها تُخلّد مناسبات تاريخية أو دينية لها وقع خاص في الذاكرة الجماعية.
8. التراث الحرفي الصناعات التقليدية والمهن اليدوية
يضم التراث الحرفي المهارات والصناعات التي توارثتها الأجيال، والتي تُستخدم فيها أدوات وتقنيات تقليدية، مثل صناعة الخزف، النسيج، الزرابي، النقش على الخشب، الحدادة، صناعة المجوهرات، وصناعة السفن.
تُعد هذه الحرف مرآة لذوق الشعوب، وتعكس التفاعل مع البيئة، والمهارة في استخدام الموارد المحلية. كما أنها تشكل مصدرًا اقتصاديًا وتراثيًا هامًا، وتُعد جزءًا من هوية المجتمعات، خاصة في القرى والمدن القديمة.
9. التراث العمراني المدن والأسواق التاريخية
التراث العمراني يُمثل البيئة المبنية التي تعكس أنماط الحياة في الحقب الماضية، ويشمل المدن العتيقة، الأزقة، الأسواق، الحمامات، المدارس، والمنازل ذات الطابع التقليدي.
من أبرز الأمثلة: المدينة القديمة في فاس، وسوق واقف في قطر، والقصبة في الجزائر، وخان الخليلي في القاهرة، وكلها تُجسد التراث الحضري الذي احتفظ بشكله ووظيفته رغم الحداثة.
10. أهمية أقسام التراث الثقافي في جهود الحفظ والتوثيق
تكمن اهمية اقسام التراث الثقافي في جهود الحفظ والتوثيق في كونها تساعد على تنظيم المعرفة المتعلقة بالتراث وتحديد افضل السبل لصيانته واستمراريته. اذ ان تقسيم التراث الى مادي وغير مادي وطبيعي وحرفي وفني يسمح بوضع خطط خاصة بكل نوع حسب طبيعته واحتياجاته، فالمباني والمواقع الاثرية تتطلب جهود ترميم وصيانة، بينما الحكايات والطقوس الشعبية تحتاج الى التوثيق الشفهي والبصري.
يسهم هذا التقسيم في تحديد اولويات العمل الثقافي، من خلال رصد العناصر الاكثر عرضة للاندثار، كما يتيح توزيع المسؤوليات بين المؤسسات والافراد المعنيين بالحفظ. وعندما تُصنف عناصر التراث بدقة، يصبح من السهل ادراجها في قوائم وطنية ودولية، مما يسهم في توفير الحماية القانونية والتمويل والدعم التقني.
كذلك تعزز اقسام التراث عمليات التوثيق الرقمي، لانها تتيح بناء قواعد بيانات واضحة تُدرج فيها العناصر بحسب نوعها وخصائصها، مما يسهل الوصول اليها واستعمالها في البحث والتعليم والنشر. ومن خلال هذا الفهم المنهجي للتراث، يمكن تصميم برامج تربوية وتوعوية تعزز الوعي العام بقيمته، وتحفز المجتمعات المحلية على المشاركة في حمايته.
باختصار، فان أقسام التراث الثقافي ليست مجرد تصنيف اكاديمي، بل اداة استراتيجية فعالة تساهم في حفظ الذاكرة الثقافية وصونها للاجيال القادمة.
خاتمة
تشكل اقسام التراث الثقافي اساسا لفهم التنوع الغني الذي يميز المجتمعات البشرية عبر العصور، اذ تعكس كل قسم من هذه الاقسام جانبا مهما من الحياة اليومية والرمزية للشعوب. فالتراث المادي يكشف عن البعد العمراني والفني، في حين يجسد التراث غير المادي الانظمة القيمية والتقاليد المتوارثة، ويكمل التراث الطبيعي هذا المشهد بما يحمله من رمزية بيئية وثقافية.
خاتمة اقسام التراث الثقافي تؤكد ان التصنيف لا يعني الفصل، بل يساعد على التعرف على الخصائص الخاصة بكل نوع من انواع التراث من اجل التعامل معه بما يناسبه. فمن خلال التقسيم يمكن وضع خطط منهجية للحفظ والتوثيق، وتحديد الجهات المسؤولة عن كل مجال، وتوزيع الموارد بكفاءة، بما يضمن استمرارية هذا التراث ونقله للاجيال القادمة.
يساهم هذا التصنيف ايضا في توجيه الانشطة التعليمية والثقافية، وفي توعية المجتمعات المحلية باهمية دورها في الحفاظ على موروثها، مما يخلق صلة حية ودائمة بين الماضي والحاضر. كما يسهل على الباحثين والمهتمين الوصول الى المعطيات التراثية وتصنيفها ضمن قواعد بيانات منظمة.
وفي خاتمة اقسام التراث الثقافي، لا بد من التاكيد على ان هذا العمل ليس مجرد جهد نظري بل ضرورة عملية لحماية الهوية الثقافية. اذ ان التحديات المعاصرة مثل العولمة والنزاعات والاهمال تفرض التحرك الجاد والمبكر لحفظ هذا الارث المتنوع، وصونه من الضياع. ان تقسيم التراث وفهم اقسامه يمثل خطوة اولى نحو حماية الذاكرة الجماعية وتثبيت دعائم الاستمرارية الثقافية في وجه التغيرات.
مراجع
1. التراث والهوية الثقافية
المؤلف: عبد الحميد بورايو
الناشر: منشورات الاختلاف، الجزائر
يتناول التراث في ابعاده المادية وغير المادية، ويشرح اهمية تصنيفه واثره في تشكيل الهوية.
2. الثقافة الشعبية والتراث غير المادي
المؤلف: مسعود بوبكر
الناشر: دار الفجر للنشر والتوزيع
يناقش اشكال التراث الشعبي واهميته في الحياة اليومية، مع تركيز على التراث الشفهي.
3. التراث الثقافي العربي: المفهوم والاشكال
المؤلف: مجموعة باحثين
الناشر: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الالكسو)
مرجع اكاديمي يوضح التصنيفات المعتمدة للتراث في العالم العربي.
4. التراث الثقافي والتنمية المستدامة
المؤلف: محمد شفيق غربال
الناشر: الهيئة العامة للكتاب
يناقش التراث كمورد تنموي ويصنف اقسامه ضمن اطار التنمية.
5. المعمار التقليدي والتراث المادي
المؤلف: حسن فتحي
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية
يعرض التراث المعماري كجزء من التراث المادي ويوثق انواعه ومكوناته.
6. التراث في العالم الاسلامي: مقاربات وتصنيفات
المؤلف: رضوان السيد
الناشر: دار المدار الاسلامي
يستعرض التراث من منظور اسلامي، ويشرح تصنيفاته وفق الرؤية التاريخية والثقافية.
7. فنون التراث غير المادي في الوطن العربي
المؤلف: يوسف اسعد
الناشر: دار المعرفة للنشر
مرجع غني بالامثلة والتصنيفات الدقيقة للتراث غير المادي كالرقص والموسيقى والحكاية الشعبية.
مواقع الكرتونية
1.منظمة اليونسكو - التراث الثقافي غير المادي
رابط: رابط
2.المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)
رابط: رابط
3.بوابة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية
رابط: رابط
4.المعهد الوطني للتراث - تونس
رابط: رابط
5.الهيئة العامة للآثار الليبية - قسم التراث الثقافي
رابط: رابط
اترك تعليق جميل يظهر رقي صاحبه