دور المراكز والمكتبات في حماية المخطوطات
تلعب المراكز والمكتبات دورا حيويا في حماية المخطوطات وصيانتها، إذ تعد هذه المؤسسات الحاضن الرئيس للتراث المكتوب والجهة المسؤولة عن حفظه للأجيال القادمة. فالمكتبات الوطنية، ومراكز المخطوطات، ودور الوثائق، تضطلع بمهام متعددة تبدأ بجمع المخطوطات من مصادرها الأصلية، سواء من الأوقاف، أو العائلات، أو الأسواق، وتنتهي بترميمها وفهرستها وإتاحتها للباحثين.
تشمل جهود الحماية توفير بيئة مناسبة للتخزين، تراعي شروط الحرارة والرطوبة والتهوية، كما يتم استخدام صناديق حفظ خالية من المواد الحمضية. وتُؤسّس في كثير من هذه المراكز ورش متخصصة للترميم الفيزيائي والكيميائي، تُشرف عليها كوادر مدرّبة تمتلك خبرات علمية وتقنية.
كما تلعب هذه المؤسسات دورًا تعليميًا وتثقيفيًا، من خلال تنظيم الدورات والندوات والمؤتمرات التي تُعنى بعلوم المخطوطات، إلى جانب نشر الفهارس والمصوّرات الرقمية لتقليل تداول النسخ الأصلية. وتُعزّز بعض المراكز تعاونها مع منظمات دولية كاليونسكو والإيكروم، خاصة في حالات الخطر والنزاع.
إن هذه الأدوار تجعل من المكتبات والمراكز صمام أمان للذاكرة الثقافية، إذ لا يقتصر عملها على الحفظ المادي فقط، بل يشمل أيضًا حماية الهوية الفكرية والحضارية التي تختزنها تلك المخطوطات عبر القرون.
1. التطور التاريخي لدور المكتبات في حفظ المخطوطات
1. العصور القديمة والوسطى
منذ فجر التاريخ، أدركت الحضارات الإنسانية أهمية الحفاظ على المعرفة المكتوبة. فمكتبة الإسكندرية القديمة، التي تُعتبر من أعظم المكتبات في التاريخ، كانت أول مثال رائد على دور المؤسسات في حماية المخطوطات. لم تكن هذه المكتبة مجرد مكان للتخزين، بل كانت مركزاً علمياً متكاملاً يضم علماء ونساخاً وحرفيين متخصصين في نسخ وحفظ المخطوطات.
في العصور الوسطى، لعبت الأديرة المسيحية دوراً محورياً في حفظ المخطوطات الدينية والعلمية. فكانت هذه الأديرة تحتوي على مكتبات متخصصة ومراكز للنسخ والترجمة، حيث كان الرهبان يقضون ساعات طويلة في نسخ المخطوطات القديمة والمحافظة عليها. هذا الجهد المنظم ساهم في إنقاذ الكثير من المخطوطات الكلاسيكية من الاندثار.
2. العصر الإسلامي الذهبي
شهد العصر الإسلامي الذهبي تطوراً مذهلاً في مجال المكتبات ومراكز المخطوطات. فبيت الحكمة في بغداد، الذي أسسه الخليفة هارون الرشيد وطوره ابنه المأمون، كان مثالاً رائداً على المؤسسات المتخصصة في حفظ وترجمة المخطوطات. لم تكن هذه المؤسسة مجرد مكتبة، بل كانت مركزاً علمياً شاملاً يضم المكتبات ومراكز الترجمة والنسخ والبحث.
كما برزت مكتبات عظيمة أخرى مثل المكتبة الفاطمية في القاهرة، والمكتبة الأموية في قرطبة، ومكتبة الحكم الثاني التي احتوت على مئات الآلاف من المخطوطات. هذه المكتبات طورت أنظمة متقدمة للفهرسة والتصنيف والحفظ، وكانت تضم فرق عمل متخصصة تشمل أمناء المكتبات والنساخ والمجلدين والمرممين.
2. الأدوار الأساسية للمراكز والمكتبات
1. الحفظ والصيانة
تُعد وظيفة الحفظ والصيانة من أهم الأدوار التي تقوم بها المراكز والمكتبات المتخصصة. فهذه المؤسسات تطبق أحدث المعايير العلمية في مجال الحفظ، بدءاً من التحكم في العوامل البيئية مثل درجة الحرارة والرطوبة وجودة الهواء، وصولاً إلى استخدام أحدث التقنيات في التخزين والحماية.
تتضمن عمليات الحفظ استخدام خزائن وصناديق خاصة مصنوعة من مواد محايدة كيميائياً، وتطبيق أنظمة إضاءة متطورة تحمي المخطوطات من الأشعة فوق البنفسجية الضارة. كما تشمل هذه العمليات الفحص الدوري للمخطوطات للكشف المبكر عن أي علامات تلف أو إصابة بالآفات.
2. الترميم والإصلاح
يعد الترميم من أكثر الأنشطة تخصصاً في مجال حماية المخطوطات. فالمراكز المتخصصة تضم فرق من المرممين المهرة الذين يتقنون تقنيات متقدمة لإصلاح التلف والأضرار التي تتعرض لها المخطوطات. هذه التقنيات تشمل تنظيف المخطوطات من الأوساخ والبقع، وإصلاح التمزقات والثقوب، وتقوية الأوراق الهشة.
عمليات الترميم تتطلب خبرة عالية ومعرفة عميقة بتاريخ المخطوطات والمواد المستخدمة في صناعتها. فالمرممون يجب أن يتقنوا تقنيات مختلفة تناسب أنواع مختلفة من المخطوطات، سواء كانت مكتوبة على الورق أو الرق أو البردي. كما يجب أن يستخدموا مواد متوافقة مع المواد الأصلية للمخطوط لضمان عدم تسببها في أضرار مستقبلية.
3. التوثيق والفهرسة
التوثيق والفهرسة من العمليات الأساسية التي تقوم بها المراكز والمكتبات لحماية المخطوطات. فهذه العمليات تضمن عدم فقدان أي معلومات مهمة عن المخطوطات، وتسهل عملية البحث والوصول إليها. الفهرسة تشمل تسجيل معلومات مفصلة عن كل مخطوط، مثل العنوان والمؤلف وتاريخ النسخ والناسخ وحالة المخطوط ومحتوياته.
أنظمة الفهرسة الحديثة تستخدم قواعد بيانات إلكترونية متطورة تسمح بالبحث السريع والدقيق في مجموعات المخطوطات. هذه الأنظمة تتضمن أيضاً صوراً رقمية عالية الجودة للمخطوطات، مما يقلل من الحاجة للتعامل المباشر مع المخطوطات الأصلية ويحميها من التلف.
4. الرقمنة والحفظ الإلكتروني
تُعد الرقمنة من أهم التطورات في مجال حماية المخطوطات. فهذه التقنية تتيح إنشاء نسخ رقمية عالية الجودة من المخطوطات، مما يحفظها من الفقدان أو التلف الكامل. المراكز والمكتبات المتخصصة تستثمر في أحدث تقنيات الرقمنة لضمان الحصول على نسخ رقمية تحافظ على جميع تفاصيل المخطوط الأصلي.
عمليات الرقمنة تشمل التصوير عالي الدقة والمعالجة الرقمية للصور لتحسين وضوحها وقابليتها للقراءة. كما تشمل إنشاء نسخ احتياطية متعددة محفوظة في مواقع مختلفة لضمان عدم فقدان المعلومات. هذه النسخ الرقمية تتيح للباحثين والمهتمين الوصول إلى المخطوطات دون الحاجة للتعامل مع النسخ الأصلية.
3. أنواع المراكز والمكتبات المتخصصة
1. المكتبات الوطنية
تلعب المكتبات الوطنية دوراً محورياً في حفظ التراث المخطوط للأمم. فهذه المؤسسات تتولى مسؤولية جمع وحفظ المخطوطات التي تمثل التراث الثقافي للدولة. المكتبات الوطنية تتمتع بالدعم الحكومي والموارد الكافية لتطبيق أحدث معايير الحفظ والحماية.
من أبرز الأمثلة على المكتبات الوطنية المتخصصة في المخطوطات: المكتبة الوطنية في فرنسا، والمكتبة البريطانية في لندن، ومكتبة الكونغرس في الولايات المتحدة. هذه المكتبات تضم مجموعات ضخمة من المخطوطات من مختلف الثقافات والحضارات، وتطبق أحدث التقنيات في مجال الحفظ والرقمنة.
2. مراكز البحث الأكاديمية
تُعد مراكز البحث الأكاديمية من أهم المؤسسات في مجال حماية المخطوطات، خاصة تلك المتخصصة في دراسات تاريخية أو ثقافية محددة. هذه المراكز تجمع بين البحث العلمي والحفظ، وتضم خبراء متخصصين في مختلف جوانب دراسة المخطوطات.
معهد المخطوطات العربية في القاهرة، ومعهد الدراسات الإسماعيلية في لندن، ومعهد الدراسات الشرقية في جامعة أكسفورد، كلها أمثلة على مراكز البحث الأكاديمية التي تلعب دوراً مهماً في حفظ ودراسة المخطوطات. هذه المراكز تطور أساليب جديدة للحفظ والدراسة، وتدرب الخبراء الجدد في هذا المجال.
3. المراكز الثقافية والتراثية
تلعب المراكز الثقافية والتراثية دورا مهما في حفظ المخطوطات ذات الأهمية الثقافية والتاريخية المحلية. هذه المراكز تركز على المخطوطات التي تعكس التراث الثقافي لمجتمعات أو مناطق محددة، وتعمل على حفظها وإتاحتها للمجتمع المحلي.
مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي، ومؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي في لندن، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض، كلها أمثلة على المراكز التراثية المتخصصة. هذه المراكز تجمع بين الحفظ العلمي والنشر الثقافي، وتعمل على إتاحة المخطوطات للباحثين والمهتمين.
4. المكتبات الخاصة والمجموعات الفردية
تلعب المكتبات الخاصة والمجموعات الفردية دوراً مهماً في حفظ المخطوطات، خاصة تلك التي تركز على مواضيع أو فترات تاريخية محددة. هذه المجموعات غالباً ما تضم مخطوطات نادرة ومهمة تم جمعها من قبل هواة جمع أو علماء متخصصين.
مكتبة تشيستر بيتي في دبلن، ومكتبة والترز في بالتيمور، ومكتبة نور عثمانية في إسطنبول، كلها أمثلة على المكتبات الخاصة التي تحتوي على مجموعات مهمة من المخطوطات. هذه المكتبات تطبق معايير عالية في الحفظ والإتاحة، وتساهم في البحث العلمي والثقافي.
4. التحديات التي تواجه المراكز والمكتبات
1. التحديات التقنية
تواجه المراكز والمكتبات تحديات تقنية معقدة في مجال حفظ المخطوطات. فالتقنيات الحديثة للحفظ والرقمنة تتطلب استثمارات كبيرة في المعدات والأجهزة المتخصصة. كما أن تطوير وصيانة أنظمة قواعد البيانات الإلكترونية يتطلب خبرات تقنية متخصصة وموارد مالية كبيرة.
التحدي الأكبر يكمن في مواكبة التطورات التقنية السريعة وضمان استمرارية الوصول للمعلومات المحفوظة رقمياً. فتقنيات الحفظ الرقمي تتطور بسرعة، مما يتطلب تحديث مستمر للأنظمة والمعدات لضمان عدم فقدان المعلومات.
2. التحديات المالية
تتطلب حماية المخطوطات موارد مالية كبيرة لتغطية تكاليف الحفظ والترميم والرقمنة. فالمعدات المتخصصة والمواد الحافظة والموارد البشرية المدربة كلها تحتاج إلى استثمارات كبيرة. كما أن عمليات الترميم المتخصصة تتطلب مواد وأدوات باهظة الثمن.
كثير من المراكز والمكتبات تعتمد على التمويل الحكومي أو التبرعات، مما يجعلها عرضة للتقلبات الاقتصادية وتغيرات الأولويات. هذا التحدي يتطلب تنويع مصادر التمويل وتطوير استراتيجيات مالية مستدامة.
3. التحديات البشرية
نقص الخبرات المتخصصة في مجال حفظ المخطوطات يشكل تحدياً كبيراً للمراكز والمكتبات. فهذا المجال يتطلب خبرات متنوعة تشمل علوم الحفظ والترميم والكتابة القديمة واللغات التاريخية. تدريب هذه الخبرات يتطلب وقتاً طويلاً واستثمارات كبيرة.
كما أن المحافظة على هذه الخبرات وضمان نقلها للأجيال الجديدة يشكل تحدياً إضافياً. فكثير من الخبراء المتخصصين في هذا المجال يتقاعدون دون أن يتم نقل خبراتهم بشكل كامل للجيل الجديد.
4. التحديات الأمنية
تواجه المراكز والمكتبات تحديات أمنية متعددة تشمل الحماية من السرقة والتلف والكوارث الطبيعية. فالمخطوطات النادرة والثمينة تشكل هدفاً للسرقة، مما يتطلب أنظمة أمنية متطورة وإجراءات صارمة للحماية.
كما أن الكوارث الطبيعية مثل الحرائق والفيضانات تشكل تهديداً خطيراً للمجموعات. هذا يتطلب تطوير خطط طوارئ شاملة وأنظمة إنذار مبكر ووسائل إخلاء سريع للمخطوطات في حالات الطوارئ.
5. الاستراتيجيات والممارسات الحديثة
1. أنظمة الحفظ المتكاملة
تطبق المراكز والمكتبات الحديثة أنظمة حفظ متكاملة تجمع بين التقنيات التقليدية والحديثة. هذه الأنظمة تشمل التحكم الدقيق في العوامل البيئية، واستخدام مواد حفظ متطورة، وتطبيق أحدث تقنيات الترميم والصيانة.
أنظمة التحكم البيئي تستخدم أجهزة استشعار متطورة لمراقبة درجة الحرارة والرطوبة وجودة الهواء بشكل مستمر. كما تشمل أنظمة تكييف متخصصة تحافظ على الظروف المثلى للحفظ. هذه الأنظمة تتضمن أيضاً أجهزة تنقية الهواء وأنظمة مكافحة الآفات.
2. التعاون الدولي
يعد التعاون الدولي من أهم الاستراتيجيات الحديثة في مجال حماية المخطوطات. فالمراكز والمكتبات تتعاون فيما بينها لتبادل الخبرات والتقنيات والموارد. هذا التعاون يشمل برامج التبادل الأكاديمي والمشاريع المشتركة والمؤتمرات العلمية.
منظمات دولية مثل الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات (IFLA) ومنظمة اليونسكو تلعب دوراً مهماً في تنسيق الجهود الدولية لحماية المخطوطات. هذه المنظمات تطور معايير دولية للحفظ وتسهل التعاون بين المؤسسات المختلفة.
3. استخدام التقنيات الحديثة
تستخدم المراكز والمكتبات تقنيات حديثة متطورة في مجال حماية المخطوطات. تقنيات الذكاء الاصطناعي تُستخدم في تحليل وفهرسة المخطوطات، وتقنيات التصوير المتقدمة تُستخدم في الرقمنة والتوثيق. كما تُستخدم تقنيات الواقع الافتراضي لإتاحة المخطوطات للباحثين والمهتمين.
تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد تُستخدم في ترميم الأجزاء المفقودة من المخطوطات، وتقنيات الليزر تُستخدم في التنظيف الدقيق. هذه التقنيات تفتح آفاقاً جديدة في مجال الحفظ والترميم.
6. أثر المراكز والمكتبات على البحث العلمي
1. تسهيل البحث الأكاديمي
تلعب المراكز والمكتبات دوراً حيوياً في تسهيل البحث الأكاديمي من خلال توفير الوصول المنظم للمخطوطات. فهذه المؤسسات تطور أنظمة فهرسة متقدمة وقواعد بيانات شاملة تسهل على الباحثين العثور على المواد التي يحتاجونها. كما تقدم خدمات استشارية متخصصة تساعد الباحثين في فهم وتحليل المخطوطات.
الخدمات البحثية تشمل توفير مساحات عمل مجهزة خصيصاً للباحثين، وتقديم أدوات وتقنيات متخصصة لدراسة المخطوطات. كما تشمل تنظيم ورش عمل وندوات علمية لتبادل الخبرات والنتائج البحثية.
2. المساهمة في الاكتشافات العلمية
المراكز والمكتبات تساهم مباشرة في الاكتشافات العلمية من خلال دعم البحوث المتخصصة في المخطوطات. فكثير من الاكتشافات المهمة في التاريخ والأدب والعلوم تم التوصل إليها من خلال دراسة المخطوطات المحفوظة في هذه المؤسسات.
هذه المؤسسات تدعم أيضاً البحوث متعددة التخصصات التي تجمع بين علوم المخطوطات والتقنيات الحديثة. هذا النوع من البحوث يؤدي إلى تطوير تقنيات جديدة للحفظ والدراسة، ويساهم في فهم أعمق للتراث الثقافي.
7. الدور التعليمي والثقافي
1. برامج التعليم والتدريب
تلعب المراكز والمكتبات دوراً مهماً في التعليم والتدريب المتخصص في مجال المخطوطات. فهذه المؤسسات تنظم برامج تدريبية متخصصة للمكتبيين والمرممين والباحثين. هذه البرامج تشمل التدريب على أحدث تقنيات الحفظ والترميم، وتعلم مهارات قراءة وتحليل المخطوطات القديمة.
كما تساهم هذه المؤسسات في التعليم الجامعي من خلال تقديم دورات متخصصة ودعم الأبحاث الأكاديمية. كثير من الجامعات تتعاون مع المراكز والمكتبات لتقديم برامج دراسية متخصصة في علوم المخطوطات.
2. النشر والتوعية الثقافية
تقوم المراكز والمكتبات بدور مهم في نشر المعرفة والتوعية الثقافية حول أهمية المخطوطات. فهذه المؤسسات تنشر كتبا ومجلات متخصصة، وتنظم معارض ومؤتمرات علمية. كما تطور مواقع إلكترونية تتيح الوصول للمخطوطات والمعلومات المتعلقة بها.
البرامج التوعوية تشمل تنظيم جولات للمدارس والجامعات، وإقامة ورش عمل للمهتمين، وتطوير مواد تعليمية متخصصة. هذه الأنشطة تساهم في زيادة الوعي العام بأهمية المخطوطات والحاجة لحمايتها.
8. الابتكارات والتطورات المستقبلية
1. التقنيات الناشئة
تستمر المراكز والمكتبات في استكشاف وتطبيق التقنيات الناشئة في مجال حماية المخطوطات. تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي تُستخدم في تطوير أنظمة فهرسة أكثر دقة وكفاءة. كما تُستخدم في تحليل النصوص والكشف عن الأنماط والعلاقات في المخطوطات.
تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي تفتح آفاقاً جديدة لإتاحة المخطوطات وتقديم تجارب تفاعلية للمستخدمين. هذه التقنيات تسمح بإنشاء بيئات افتراضية تحاكي المكتبات والمراكز التاريخية، مما يتيح للمستخدمين تجربة فريدة في التعامل مع المخطوطات.
2. الحلول المستدامة
تركز المراكز والمكتبات على تطوير حلول مستدامة بيئياً واقتصادياً للحفظ. هذا يشمل استخدام مواد صديقة للبيئة، وتطوير أنظمة طاقة متجددة، وتحسين كفاءة استخدام الموارد. كما يشمل تطوير نماذج تمويل مبتكرة تضمن استمرارية العمل.
الحلول المستدامة تشمل أيضاً التعاون مع المجتمع المحلي وإشراك المتطوعين في أنشطة الحفظ والتوعية. هذا النهج يساهم في تقليل التكاليف وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية المخطوطات.
خاتمة
في ختام الحديث عن دور المراكز والمكتبات في حماية المخطوطات، يمكن القول إن هذه المؤسسات تمثل الدرع الأول في صون الذاكرة الحضارية للشعوب. فالمخطوطات ليست مجرد أوراق قديمة، بل هي أوعية معرفية تختزن تجارب الأمم، وتوثّق مسارات الفكر الإنساني في ميادين العقيدة، والعلوم، واللغة، والأدب، وغيرها. ومن ثم، فإن حفظها وصيانتها واجب علمي وثقافي لا يمكن التهاون فيه.
لقد أثبتت المراكز المتخصصة والمكتبات الكبرى، سواء في العالم العربي أو خارجه، أنها أكثر من مجرد أماكن للتخزين، بل هي مؤسسات حيّة تتحرك وفق استراتيجيات دقيقة لحفظ التراث، تشمل جمع المخطوطات من مصادرها، وتوثيقها، وترميمها، وفهرستها، وإتاحتها للباحثين وفق ضوابط علمية توازن بين الحماية والإفادة. كما أسهمت هذه الجهات في تطوير الكوادر البشرية العاملة في مجال الترميم والرقمنة، وهو ما مكّن من التعامل مع آلاف المخطوطات التي كانت مهددة بالتلف أو النسيان.
وتكمن أهمية هذه المؤسسات أيضًا في دورها التوعوي والتعليمي، حيث أصبحت مراكز لتبادل المعرفة وإقامة الدورات المتخصصة في علوم المخطوطات، ونشر الوعي المجتمعي بأهمية هذا التراث. كما أن التعاون الدولي مع منظمات مثل اليونسكو والإيكروم عزز إمكانيات هذه الجهات في مجالات الحفظ والوقاية، خاصة في مناطق النزاع والكوارث.
إن استمرار دعم هذه المراكز والمكتبات، وتوفير الموارد اللازمة لها، يعد استثمارًا في حماية تراث الأمة، وضمانًا لوصول هذا التراث إلى الأجيال المقبلة في صورته الأصيلة. فالمخطوطة هي مفتاح لفهم الماضي، وأداة لإثراء الحاضر، وجسرٌ نحو مستقبل أكثر وعيًا بقيمته الحضارية والثقافية.
مراجع
1.المخطوطات العربية: علومها وأعلاقها
المؤلف: د. أيمن فؤاد سيد
الملخص: يتناول علاقة المكتبات والمراكز بدور الحفظ، مع عرض نماذج مؤسسية في جمع وفهرسة وصيانة المخطوطات.
2.إحياء التراث المخطوط في العالم الإسلامي
المؤلف: د. محمد الشريف
الملخص: يناقش جهود المراكز الإسلامية في جمع المخطوطات وصيانتها ودور المكتبات في تعزيز الحماية المؤسسية.
3.المكتبات ودورها في حفظ المخطوطات العربية
المؤلف: أ. د. مصطفى ناصف
الملخص: يعرض تطور دور المكتبات في صيانة المخطوطات تاريخيًا، وأساليب الحفظ التقليدية والحديثة.
4.صيانة المخطوطات بين النظرية والتطبيق
المؤلف: د. حنان خليل
الملخص: يتناول البرامج المؤسسية لصيانة المخطوطات في المراكز الحكومية والمكتبات الوطنية.
5.المكتبات الوقفية ودورها في حفظ التراث
المؤلف: د. عبد اللطيف الطيّب
الملخص: يستعرض مساهمة المكتبات الوقفية في حماية المخطوطات، ويقدم نماذج من العالم العربي والإسلامي.
6.الفهرسة وحفظ المخطوطات في مراكز التراث العربي
المؤلف: د. نزار أباظة
الملخص: يركّز على دور المراكز البحثية في تنظيم وحفظ وفهرسة المخطوطات النادرة.
7.المكتبات الوطنية والمخطوطات: مسؤولية الصيانة والحفظ
المؤلف: د. يحيى شامي
الملخص: يدرس تجربة المكتبات الوطنية في العالم العربي في حماية التراث المخطوط والتحديات التي تواجهها.
مواقع الكترونية
1.معهد المخطوطات العربية - جامعة الدول العربية
رابط: http://www.makhtutat.org
يعد من أبرز المؤسسات المتخصصة في حفظ وصيانة المخطوطات العربية، ويعرض جهود المراكز والمكتبات في حماية التراث المكتوب، بالإضافة إلى مكتبة رقمية وفهارس مخطوطات.
2.مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث - دبي
رابط: https://www.almajidcenter.org
يضم قسمًا متخصصًا لترميم وصيانة المخطوطات، ويعمل على تدريب الكوادر ونشر الوعي بدور المؤسسات في حماية المخطوطات، إضافة إلى مشاريع رقمية وتوثيقية.
3.دار الكتب والوثائق القومية - مصر
رابط: http://www.darelkotob.gov.eg
تعد من أقدم المؤسسات العربية في حفظ التراث، وتضم ورشًا للترميم وأقسامًا للفهرسة والرقمنة، وتوفر محتوى عن جهود المكتبات المصرية في حفظ المخطوطات.
4.مكتبة الملك عبد العزيز العامة - السعودية
رابط: https://www.kapl.org.sa
تحتوي على قسم غني بالمخطوطات وتعرض معلومات عن أنظمة الحفظ، وفهرسة المخطوطات، وجهود المكتبة في صيانة الوثائق وحمايتها من التلف.
5.الأرشيف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة
رابط: https://www.na.ae
يتضمن برامج متخصصة في صيانة الوثائق والمخطوطات التاريخية، ويعرض تقارير عن دور المراكز الوطنية في حماية الأرشيف الثقافي للدولة.
اترك تعليق جميل يظهر رقي صاحبه