القائمة الرئيسية

الصفحات

 أصول علم الآثار والرواد الذين شكلوه

بداية علم الأثار(2)
بداية علم الأثار(2)

  • مقدمة

إن مجال علم الآثار، بمزيجه الآسر من الاكتشافات التاريخية والبحث العلمي، يقف بمثابة شهادة على فضول الإنسان ورغبته في كشف أسرار الماضي. بينما نتعمق في سجلات التاريخ للكشف عن أصول علم الآثار والأفراد المتميزين الذين وضعوا أساسه، فإننا نستكشف أيضًا الأدوات الأساسية التي دفعت هذا التخصص إلى طليعة فهمنا للحضارات القديمة.

  • نشأة و بداية علم الآثار؟

يدين علم الآثار، في شكله الحديث، بوجوده إلى التقاء الأحداث التاريخية، والحركات الفكرية، والأفراد ذوي الرؤية. وقد ظهر كنظام متميز في القرن التاسع عشر، ولكن يمكن إرجاع جذوره إلى أوقات أقدم بكثير.

   1- البدايات القديمة

 تعود ممارسة المسح الأثري والتنقيب ودراسة القطع الأثرية والآثار القديمة إلى الحضارات القديمة. على سبيل المثال، قام المصريون بتوثيق تاريخهم والحفاظ عليه من خلال بناء الهياكل والمقابر الأثرية، في حين قام اليونانيون والرومان في كثير من الأحيان بحفر الهياكل السابقة لبناء هياكل خاصة بهم. ومع ذلك، كانت هذه الأنشطة في كثير من الأحيان مدفوعة باحتياجات عملية، مثل البناء ومداهمة المقابر، وليس السعي المنهجي للمعرفة.

   2- عصر النهضة والآثار

 شهدت فترة عصر النهضة في أوروبا، الممتدة من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر، انتعاشًا في الاهتمام بالعصور القديمة الكلاسيكية. شهد هذا العصر ولادة "الآثار القديمة"، وهي مقدمة لعلم الآثار الحديث، حيث قام العلماء بجمع وفهرسة ودراسة القطع الأثرية والمخطوطات والآثار القديمة. لقد وضع هؤلاء المتحمسون الأوائل الأساس للبحث الأثري المنهجي.

   3- التنوير والبحث العلمي

 أكد عصر التنوير، الذي ازدهر في القرن الثامن عشر، على العقل والتجريبية والمنهج العلمي. لقد وضع هذا المناخ الفكري الأساس لنهج أكثر صرامة ونظامية لدراسة الماضي.

  •  مراحل تطور علم الأثار

يمكن تتبع تطور علم الآثار كنظام من خلال عدة مراحل رئيسية، تميزت كل منها بتحولات كبيرة في المنهجية والنظرية والتركيز. فيما يلي مراحل التطور العامة في تاريخ علم الآثار:

1. الأثرية (القرنين السادس عشر إلى الثامن عشر):

    - صفات:

      - جمع القطع الأثرية ورعايتها دون التنقيب المنهجي.

      - التركيز على الندرة والجماليات بدلاً من الفهم.

    - الشخصيات الرئيسية: جون أوبري، جيوفاني باتيستا بيلزوني.

2. ظهور علم الآثار العلمي (القرن التاسع عشر):

    - صفات:

      - الانتقال من الأثرية إلى أساليب أكثر منهجية.

      - الاعتراف بأهمية السياق والطبقات.

    - الشخصيات الرئيسية: السير فليندرز بيتري، السير ويليام ماثيو فليندرز، أوغسطس بيت ريفرز.

3. تاريخ الثقافة (أواخر القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن العشرين):

    - صفات:

      - التركيز على التسلسل الزمني وتصنيف القطع والمواقع الأثرية.

      - التعرف على الثقافات الأثرية المتميزة اعتماداً على البقايا المادية.

    - الشخصيات الرئيسية: السير مورتيمر ويلر، في. جوردون تشايلد.

4. علم الآثار العملي (الستينيات والسبعينيات):

    - صفات:

      - التركيز على المنهج العلمي واختبار الفرضيات.

      - التركيز على فهم العمليات الثقافية والعوامل البيئية.

    - الشخصيات الرئيسية: لويس بينفورد، ديفيد كلارك.

5. علم الآثار ما بعد العملية (الثمانينيات فصاعدا):

    - صفات:

      - نقد الوضعية والتحول نحو المناهج التفسيرية.

      - النظر في وجهات نظر متعددة والسياق الاجتماعي.

    - الشخصيات الرئيسية: إيان هودر، مايكل شانكس، كريستوفر تيلي.

6. علم الآثار الجنساني (أواخر القرن العشرين فصاعدًا):

    - صفات:

      - استكشاف أدوار وهويات الجنسين في السجل الأثري.

      - نقد المركزية الذكورية في التفسيرات الأثرية.

    - الشخصيات الرئيسية: مارغريت كونكي، جانيت سبيكتور.

7. علم الآثار العام (أواخر القرن العشرين فصاعدًا):

    - صفات:

      - الاعتراف بأهمية إشراك الجمهور في البحوث الأثرية.

      - التركيز على إدارة التراث الثقافي والحفاظ عليه.

    - الشخصيات الرئيسية: إيان بورو، بيتر أوكو.

8. علم الآثار الرقمي (أواخر القرن العشرين فصاعدًا):

    - صفات:

      - تكامل التقنيات الرقمية لجمع البيانات وتحليلها وعرضها.

      - استخدام نظم المعلومات الجغرافية والنمذجة ثلاثية الأبعاد وإعادة البناء الافتراضية.

    - الشخصيات الرئيسية: شون جراهام، جيريمي هوجيت.

9. الآثار العالمية والمحلية (القرن الحادي والعشرون):

    - صفات:

      - التحرك نحو نهج أكثر شمولا وتعاونا.

      - النظر في وجهات نظر السكان الأصليين وإنهاء الاستعمار في الممارسات الأثرية.

    - الشخصيات الرئيسية: كلير سميث، جو واتكينز.

طوال تطوره، تطور علم الآثار من مجرد سعي للهواة إلى نظام علمي صارم مع مناهج ومنهجيات نظرية متنوعة. ويستمر هذا المجال في التكيف والاستجابة للتحديات ووجهات النظر الجديدة، مما يعكس الطبيعة الديناميكية للبحث الأثري.


  • أصول علم الآثار

حدث الانتقال من علم الآثار إلى علم الآثار كنظام رسمي خلال القرن التاسع عشر، والذي تميز بالعديد من التطورات والرواد الرئيسيين:

  1- حملة نابليون على مصر 

في عام 1798، أثارت حملة نابليون بونابرت على مصر اهتماماً واسع النطاق في العالم القديم. أجرى العلماء الفرنسيون المرافقون للبعثة مسوحات وتوثيقًا منهجيًا للآثار المصرية. وقد ساعد نشر النتائج التي توصلوا إليها في تعزيز الانبهار الأوروبي بعلم المصريات ووضع الأساس للتنقيب الأثري.

  2- اكتشاف بومبي وهركولانيوم

 في منتصف القرن الثامن عشر، تم اكتشاف المدن الرومانية المدفونة بومبي وهركولانيوم في إيطاليا. قدمت هذه المواقع المحفوظة بشكل ملحوظ نافذة فريدة على الحياة اليومية في روما القديمة، مما ألهم المزيد من الاستكشاف الأثري.

   3- يوهان يواكيم فينكلمان

 العالم الألماني فينكلمان (1717-1768)، يُنظر إليه غالبًا على أنه "أبو علم الآثار". وشدد عمله، "تاريخ الفن القديم"، الذي نُشر عام 1764، على الدراسة المنهجية للفن وعلم الجمال في سياق الحضارات القديمة. وضعت أفكار وينكلمان الأساس لدراسة الثقافة المادية في علم الآثار.

   4- السير فليندرز بيتري

 عالم الآثار البريطاني بيتري (1853-1942)، يعتبر رائداً في المنهجية الأثرية. قدم تقنيات مبتكرة للتنقيب والتسجيل وتأريخ القطع الأثرية والبقايا. وضع نهجه الدقيق معايير عالية للعمل الميداني الأثري.

   5- أوغسطس بيت ريفرز 

 عالم آثار بريطاني آخر، بيت ريفرز (1827-1900)، معروف بتطوير مفهوم التصنيف - وهو نظام تصنيف يعتمد على التطور الزمني للقطع الأثرية. أثر عمله بشكل كبير على التحليل والتفسير الأثري.

  • الأدوات في علم الآثار

إن ممارسة علم الآثار عبارة عن رقصة معقدة بين العقل البشري ومجموعة من الأدوات المتخصصة. لقد تطورت هذه الأدوات على مر القرون لتمكين علماء الآثار من اكتشاف تراثنا المشترك وتحليله والحفاظ عليه.

   1- المجرفة

 ربما تكون مجرفة عالم الآثار الموثوق بها هي الأداة الأكثر شهرة في هذا المجال. يتم استخدام هذه الأداة المحمولة للحفر الدقيق، وإزالة طبقات التربة والرواسب بعناية للكشف عن القطع الأثرية والمعالم الموجودة تحتها.

   2- الفرش ومعاول الأسنان

 لا غنى عن الفرش الدقيقة ومعاول الأسنان للتنظيف الدقيق والتنقيب عن القطع الأثرية. إنها تسمح لعلماء الآثار بإزالة الأوساخ والحطام دون الإضرار بالأشياء الهشة.

   3- المجرفة والمعول 

بالنسبة للحفريات واسعة النطاق وإزالة الرواسب الثقيلة، يستخدم علماء الآثار المجارف والمعاول. هذه الأدوات ضرورية لكشف الميزات المعمارية والتحف الكبيرة.

   4- Total Station وGPS 

يستفيد علم الآثار الحديث من التكنولوجيا، حيث تساعد أدوات مثل Total Stations وأجهزة GPS في رسم خرائط دقيقة وتسجيل مواقع التنقيب. تضمن هذه التقنية بيانات مكانية دقيقة للتحليل المستقبلي.

   5- الرادار المخترق للأرض (GPR)

 GPR عبارة عن أداة جيوفيزيائية غير غازية تستخدم نبضات رادارية للكشف عن المعالم والهياكل تحت السطح دون الحاجة إلى الحفر. لقد أحدثت ثورة في مسوحات الموقع ورسم الخرائط.

    6- معدات المختبرات 

غالبًا ما يمتد التحليل الأثري إلى المختبر، حيث تُستخدم المعدات المختلفة، بما في ذلك المجاهر وآلات التأريخ بالكربون المشع وأدوات التحليل الكيميائي، لدراسة القطع الأثرية والمصنوعات البيئية بالتفصيل.

   7- الماسحات الضوئية والطابعات ثلاثية الأبعاد 

أصبحت تقنية المسح والطباعة ثلاثية الأبعاد لا تقدر بثمن لتكرار ودراسة القطع الأثرية والهياكل بدقة. فهو يساعد في جهود الحفظ ويسمح للباحثين بمشاركة النتائج رقميًا.

   8- الأدوات الحسابية 

يستخدم علماء الآثار الآن برامج متخصصة لتحليل البيانات والتصور والنمذجة. تساعد هذه الأدوات في إعادة بناء المناظر الطبيعية الماضية وتفسير البيانات وإنشاء عمليات إعادة بناء افتراضية.

   9- مواد الحفظ 

يعد الحفاظ على القطع الأثرية بشكل سليم أمرًا ضروريًا. يستخدم علماء الآثار مجموعة من المواد، مثل الورق الخالي من الأحماض، وحاويات تخزين الأرشيف، والمواد الكيميائية المخصصة للحفظ، لحماية العناصر المستردة والحفاظ عليها.

ونذكر أيضا  الواقع الافتراضي والواقع المعزز و برامج GIS و المزاورة الرقمية  و  الماسحات الضوئية

  • خاتمة

لقد نشأ علم الآثار كنظام من نسيج غني بالتاريخ والفضول الفكري. وقد وضع روادها، مستلهمين آثار الحضارات القديمة ومسلحين بأفكار مبتكرة، الأساس للدراسة المنهجية للماضي. واليوم، يواصل علماء الآثار البناء على هذا الإرث، مستخدمين مجموعة متنوعة من الأدوات والتقنيات للتنقيب عن البقايا المادية لتراثنا الإنساني المشترك وتحليلها والحفاظ عليها. وبينما نتعمق في أعماق التاريخ من خلال هذه الأدوات والتقنيات، فإننا لا نكتسب فهمًا أعمق لأسلافنا فحسب، بل نساهم أيضًا في السرد المستمر لرحلة البشرية الرائعة عبر الزمن.

المراجع

  • The Archaeology Book" by DK Publishin Author: Various contributors, published by DK Publishing
  • Archaeology: The Science of the Human Past" by Mark Q. Sutton Author: Mark Q. Sutton
  • The Oxford Handbook of Archaeology" edited by Barry Cunliffe, Chris Gosden, and Rosemary A. Joyce Editors: Barry Cunliffe, Chris Gosden, and Rosemary A. Joyce
  • Archaeology: The Basics" by Clive GambleAuthor: Clive Gamble






تعليقات

محتوى المقال